أحكام القرآن - ابن العربي - ج ٣ - الصفحة ٥٩٧
ذلك إن شاء نكحها وإن شاء تركها وإنما بين ذلك وجعله قرآنا يتلى والله أعلم لأن من مكارم أخلاق نبينا أن يقبل من الواهب هبته ويرى الأكارم أن ردها هجنة في العادة ووصمة على الواهب وإذاية لقلبه فبين الله سبحانه ذلك في حق رسوله لرفع الحرج عنه وليبطل ظن الناس في عادتهم وقولهم المسألة الحادية والعشرون قوله (* (خالصة لك) *)) وقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال أحدها خالصة لك إذا وهبت لك نفسها أن تنكحها بغير صداق ولا ولي وليس ذلك لأحد بعد رسول الله قاله قتادة وقد أنفذ الله لرسوله نكاح زينب بنت جحش في السماء بغير ولي من الخلق ولا بذل صداق من النبي وذلك بحكم أحكم الحاكمين ومالك العالمين الثاني نكاحه بغير صداق قاله سعيد بن المسيب الثالث أن عقد نكاحها بلفظ الهبة خالصا لك وليس ذلك لغيرك من المؤمنين قاله الشعبي قال القاضي القول الأول والثاني راجعان إلى معنى واحد إلا أن القول الثاني أصح من الأول لأن سقوط الصداق مذكور في الآية ولذلك جاءت وهو قوله إن وهبت نفسها للنبي فأما سقوط الولي فليس له فيها ذكر وإنما يؤخذ من دليل آخر وهو أن للولي النكاح وإنما شرع لقلة الثقة بالمرأة في اختيار أعيان الأزواج وخوف غلبة الشهوة في نكاح غير الكفء وإلحاق العار بالأولياء وهذا معدوم في حق النبي وقد خصص الله رسوله في أحكام الشريعة بمعان لم يشاركه فيها أحد في باب الفرض والتحريم والتحليل مزية على الأمة وهيبة له ومرتبة خص بها ففرضت عليه أشياء وما فرضت على غيره وحرمت عليه أشياء وأفعال لم تحرم عليهم وحللت
(٥٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 592 593 594 595 596 597 598 599 600 601 602 ... » »»