المسألة الثانية في جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللين لمن معه القوة وضمنت له العصمة ألا تراه قال لهما قولا له قولا لينا ولا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ففي الإسرائيليات أن موسى أقام على باب فرعون سنة لا يجد رسولا يبلغ كلاما حتى لقيه حين خرج فجرى له ما قص الله علينا من أمره وكان ذلك تسلية لمن جاء بعده من المؤمنين في سيرتهم مع الظالمين وربك أعلم بالمهتدين الآية الخامسة قوله تعالى (* (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) *) الآية 115 وقد تقدم ما في مثلها من أحكام بيد أنه كنا في الإملاء الأول قد وعدنا في قولهم إنه أكلها ناسيا ببيانه في هذا الموضع فها نحن بقوة الله ننتقض من عهدة الوعد فنقول كم قال في تنزيه الأنبياء عن الذي لا يليق بمنزلتهم مما ينسب الجهلة إليهم من وقوعهم في الذنوب عمدا منهم إليها واقتحاما لها مع العلم بها وحاش لله فإن الأوساط من المسلمين يتورعون عن ذلك فكيف بالنبيين ولكن البارئ سبحانه وتعالى بحكمه النافذ وقضائه السابق أسلم آدم إلى المخالفة فوقع فيها متعمدا ناسيا فقيل في تعمده (* (وعصى آدم ربه) *) طه 121 وقيل في بيان عذره (* (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي) *) ونظيره من التمثيلات أن يحلف الرجل لا يدخل دارا أبدا فيدخلها متعمدا ناسيا ليمينه أو مخطئا في تأويله فهو عامد ناس ومتعلق العمد غير متعلق النسيان وجاز للمولى أن يقول في عبده عصى تحقيرا وتعذيبا ويعود عليه بفضله فيقول نسي تنزيها ولا يجوز لأحد منا أن يخبر بذلك عن آدم إلا إذا ذكرناه في أثناء قول الله عنه أو قول نبيه وأما أن نبتدئ في ذلك من قبل أنفسنا فليس بجائز لنا في آبائنا الأدنين إلينا المماثلين لنا فكيف بأبينا الأقدم الأعظم النبي المقدم الذي عذره الله وتاب عليه وغفر له
(٢٥٩)