وفي الصحيح عن عمر بن الخطاب أنه قال ذلك على المنبر فإن كان قاله عن النبي فهو شرع متبع وإن كان أخبر به عن اللغة فهو حجة فيها لا سيما وهو نطق به على المنبر ما بين أظهر الصحابة فلم يقم من ينكر عليه جواب آخر أما قولهم إن الله امتن ولا يكون امتنانه وتعديده إلا بما أحل فصحيح؛ بيد أنه يحتمل أن يكون ذلك قبل تحريم الخمر ثم حرمت بعد فإن قيل كيف يحرم ما أحل الله هاهنا وينسخ هذا الحكم وهو خبر والأخبار لا يدخلها النسخ قلنا هذا كلام من لم يتحقق الشريعة وقد بينا حقيقته قبل وأوضحنا أن الخبر إذا كان عن الوجود الحقيقي فذلك الذي لا يدخله نسخ أو كان عن الفضل المعطى ثوابا فهو أيضا لا يدخله نسخ؛ فأما إن كان خبرا عن حكم الشرع فالأحكام تتبدل وتنسخ جاءت بخبر أو بأمر ولا يرجع ذلك إلى تكذيب في الخبر أو الشرع الذي كان مخبرا عنه قد زال بغيره وإذا فهمتم هذا خرجتم عن الصنف الغبي الذي أخبر الله عن الكفار فيه بقوله تعالى (* (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون) *) [النحل 11] يعني أنهم جهلوا أن الرب يأمر بما يشاء ويكلف ما يشاء ويرفع من ذلك بعدله ما يشاء ويثبت ما يشاء وعنده أم الكتاب جواب ثالث وأما ما عضدوه به من الأحاديث فالأول ضعيف والثاني في سقي النبي ما بقي للخدم صحيح لكنه ما كان يسقيه للخدم لأنه مسكر وإنما كان يسقيه لأنه متغير الرائحة وكان أكره الخلق في خبيث الرائحة ولذلك تحيل عليه أزواجه في عسل زينب فإنهن قلن له إنا نجد منك ريح مغافير - يعني ريحا ننكره وقد استوفينا الكلام في هذه المسألة مع أصحاب أبي حنيفة في كتب الخلاف أثرا ونظرا فلينظر هنالك إن شاء الله تعالى
(١٣٥)