أحكام القرآن - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٣٧٠
واختلف في تحريم اليهود ذلك فقيل إن إسرائيل حرمها على نفسه وعليهم وقيل اقتدوا به في تحريم ذلك فحرم الله تعالى عليهم بغيهم ونزلت به التوراة وذلك في قوله تعالى (* (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) *) [النساء 16] والصحيح أن للنبي أن يجتهد وإذا أداه اجتهاده إلى شيء كان دينا يلزم اتباعه لتقرير الله سبحانه إياه على ذلك وكما يوحى إليه ويلزم اتباعه كذلك يؤذن له ويجتهد ويتعين موجب اجتهاده إذا قدر عليه والظاهر من الآية مع أن الله سبحانه أضاف التحريم إليه بقوله إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة أن الله سبحانه أذن له في تحريم ما شاء ولولا تقدم الإذن له ما تسور على التحليل والتحريم وتقدم ما يقتضي ذلك على القول بجواز الاجتهاد فحرمه مجتهدا فأقره الله سبحانه عليه وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم العسل على الرواية الصحيحة أو جاريته مارية فلم يقر الله تحريمه ونزل قوله تعالى (* (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) *) [التحريم 1] وكان ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم اجتهادا أو بأمر على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى المسألة الثالثة حقيقة التحريم المنع فكل من امتنع من شيء مع اعتقاده الامتناع منه فقد حرمه وذلك يكون بأسباب إما بنذر كما فعل يعقوب في تحريم الإبل وألبانها وإما بيمين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في العسل أو في جاريته فإن كان بنذر فإنه غير منعقد في شرعنا ولسنا نتحقق كيفية تحريم يعقوب هل كان بنذر أو بيمين فإن كان بيمين فقد أحل الله لنا اليمين بالكفارة أو بالاستثناء المتصل رخصة منه لنا ولم يكن ذلك لغيرنا من الأمم فلو قال رجل حرمت الخبز على نفسي أو اللحم لم يحرم ولم ينعقد يمينا فإن قال حرمت أهلي فقد اختلف العلماء فيه اختلافا كثيرا يأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى
(٣٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 ... » »»