مفردات غريب القرآن - الراغب الأصفهانى - الصفحة ٣٤٤
الأسماء هو أن جعل له قوة بها نطق ووضع أسماء الأشياء وذلك بإلقائه في روعه، وكتعليمه الحيوانات كل واحد منها فعلا يتعاطاه وصوتا يتحراه، قال: (وعلمناه من لدنا علما) قال له موسى (هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا) قيل عنى به العلم الخاص الخفي على البشر الذي يرونه ما لم يعرفهم الله منكرا بدلالة ما رآه موسى منه لما تبعه فأنكره حتى عرفه سببه، قيل وعلى هذا العلم في قوله: (قال الذي عنده علم من الكتاب) وقوله تعالى:
(والذين أوتوا العلم درجات) فتنبيه منه تعالى على تفاوت منازل العلوم وتفاوت أربابها. وأما قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) فعليم يصح أن يكون إشارة إلى الانسان الذي فوق آخر ويكون تخصيص لفظ العليم الذي هو للمبالغة تنبيها أنه بالإضافة إلى الأول عليم وإن لم يكن بالإضافة إلى من فوقه كذلك، ويجوز أن يكون قوله عليم عبارة عن الله تعالى وإن جاء لفظه منكرا إذ كان الموصوف في الحقيقة بالعليم هو تبارك وتعالى، فيكون قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) إشارة إلى الجماعة بأسرهم لا إلى كل واحد بانفراده، وعلى الأول يكون إشارة إلى كل واحد بانفراده. وقوله (علام الغيوب) فيه إشارة إلى أنه لا يخفى عليه خافية.
وقوله (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) فيه إشارة أن لله تعالى علما يخص به أولياءه، والعالم في وصف الله هو الذي لا يخفي عليه شئ كما قال: (لا تخفى منكم خافية) وذلك لا يصح إلا في وصفه تعالى. والعلم الأثر الذي يعلم به الشئ كعلم الطريق وعلم الجيش، وسمى الجبل علما لذلك وجمعه أعلام، وقرئ (وإنه لعلم للساعة) وقال (ومن آياته الجوار في البحر كالاعلام) وفى أخرى (وله الجوار المنشآت في البحر كالاعلام) والشق في الشفة العليا علم وعلم الثوب، ويقال فلان علم أي مشهور يشبه بعلم الجيش. وأعلمت كذا جعلت له علما، ومعالم الطريق والدين الواحد معلم، وفلان معلم للخير، والعلام الحناء وهو منه، والعالم اسم للفلك وما يحويه من الجواهر والاعراض، وهو في الأصل اسم لما يعلم به كالطابع والخاتم لما يطبع به ويختم به وجعل بناؤه على هذه الصيغة لكونه كالآلة والعالم آلة في الدلالة على صانعه، ولهذا أحالنا تعالى عليه في معرفة وحدانيته فقال: (أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض) وأما جمعه فلان من كل نوع من هذه قد يسمى عالما، فيقال عالم الانسان وعالم الماء وعالم النار، وأيضا قد روى: " إن لله بضعة عشر ألف عالم " وأما جمعه جمع السلامة فلكون الناس في جملتهم، والانسان إذا شارك غيره في اللفظ غلب حكمه، وقيل إنما جمع هذا الجمع لأنه عنى به أصناف
(٣٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 ... » »»
الفهرست