* (لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون (30) منيبين إليه واتقوه) * * وفي الآية قول ثالث: وهو ما روى أبو عبيد الهروي في الغريبين عن ابن المبارك قال: قوله: ' على الفطرة ' أي: على ابتداء الخلقة التي فطر عليها الإنسان في الرحم من سعادة أو شقاوة، فأبواه يهودانه يعني: في حكم الدنيا. وقد صحح كثير من أهل المعاني ما ذكرناه من قبل، وهو أن الآية في المسلمين خاصة، وهو عموم بمعنى الخصوص.
وقوله: * (لا تبديل لخلق الله) فيه أقوال: أحدها: ما بينا من قبل، والقول الثاني: لا تبديل لخلق الله أي: لا ينقلب السعيد شقيا، ولا الشقي سعيدا إذا خلق على أحدهما.
والقول الثالث: لا تبديل لخلق الله أي: لا أحد يثق مثل خلق الله، ومعناه: أنه لا خالق غيره.
وعن عكرمة قال: لا تبديل لخلق الله: هو تحريم الإخصاء.
وقد اختلف العلماء فيه، منهم من حرم في الكل، ومنهم من أباح في جميع البهائم سوى الآدمي، ومنهم من أباح في جميع البهائم سوى الفرس؛ لأن فيه قطع النسل، والنسل يقصد في الخيل ما لا يقصد في غيره. وروى عن النبي أنه قال: ' خير المال سكة مأبورة، وفرس مأمورة '. والسكة المأبورة هي النخل المصطفة التي قد أبرت، والفرس المأمورة كثيرة النتاج.
وأما إذا حملنا الفطرة على الدين فقوله: * (لا تبديل لخلق الله) خبر بمعنى الأمر، كأنه قال: لا تبدلوا دين الله. وقد ورد في الخير: الفطرة بمعنى كلمة الإسلام.
روى البراء بن عازب أن النبي قال: ' إذا أخذ أحدكم مضجعه ثم قال: اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، قال: فإن مات مات على الفطرة '.
وقد وردت الفطرة بمعنى السنة، وذلك في الخبر المعروف عن النبي أنه قال: ' عشر من الفطرة ' أي: من السنة الخبر.
وقوله: * (ذلك الدين القيم) أي: الدين المستقيم، ويقال: الحساب المستقيم.
وقوله: * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ظاهر المعنى، وأنشدوا في الفطرة قول كعب بن مالك شعرا: (إن تقتلونا فدين الله فطرتنا * والقتل في الحق عند الله تفضيل) قوله تعالى: * (منيبين إليه أي: اتبعوا دين الله * (منيبين إليه) أي: راجعين [إليه]. قال الحسن البصري: راجعين إلى الله بصلاتكم وأعمالكم. وعن بكر بن عبد الله المزني أنه قال: المنيب هو الذي يمشي على الأرض وقلبه عند الله. فإن قيل: كيف يستقيم قوله: * (منيبين) وقد خاطب غب الابتداء واحدا، وهو الرسول بقوله: * (فأقم وجهك للدين حنيفا)؟ والجواب عنه، أن قوله: * (فأقم وجهك) أي: فأقم وجهك وأمتك معك منيبين إلى الله، وحقيقة المعنى: اتبعوا الدين القيم منيبين إلى الله.