* (نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا (47) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى) * * (معكم) من التوراة والإنجيل * (من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها) الطمس: المحو، ومعناه: من قبل أن نطمس الوجه، ونرده إلى القفا، وقيل: معناه: نبات الشعر عليه، حتى يصير كالقردة، وقيل: يجعل عينيه على القفا ليمشي بقهقرى، وروى: أن عبد الله بن سلام لما سمع هذه الآية، جاء إلى النبي ويده على وجهه، فأسلم، وقال: خفت أن يطمس وجهي قبل أن أصل إليك، وكذلك كعب الأحبار لما سمع هذه الآية أسلم في زمن عمر رضي الله عنه.
فإن قال قائل: قد أوعد اليهود بالطمس إن لم يسلموا، ولم يطمس وجوههم، فكيف ذلك؟ قيل: هذا كان في قوم معدودين أسلموا، وذلك: عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سعيد، وأوس بن سعيد، والمحيريق، وجماعة، ولو لم يسلموا لطمسوا.
وقيل: أراد به: الطمس في القيامة، قال مجاهد: أراد بقوله * (نطمس وجوها) أي: نتركهم في الضلالة؛ فيكون المراد طمس القلب * (أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت) أي: نجعلهم قردة كما جعلنا أصحاب السبت قردة * (وكان أمر الله مفعولا).
قوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) قيل: هذه أرجى آية في القرآن، قال ابن عمر: كنا نطلق القول فيمن ارتكب الكبائر بالخلود في النار، حتى نزلت هذه الآية، فتوقفنا * (ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما) أي: اختلق إثما عظيما، فإن قال قائل: قد قال الله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) وقال في موضع آخر: * (إن الله يغفر الذنوب جميعا) فكيف وجه الجمع؟
قيل أراد به: يغفر الذنوب جميعا سوى الشرك.