تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٩ - الصفحة ٦٠
فوثب عمر بن الخطاب إلى أبي جندل يمشي إلى جنبه ويقول: اصبر يا أبا جندل، فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب، ويدني قائم السيف منه، قال: يقول عمر: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه، فضن الرجل بأبيه.
قالوا: وقد كان أصحاب رسول الله خرجوا، وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوا ذلك دخل الناس أمر عظيم حتى كادوا يهلكون، وزادهم أمر أبي جندل شرا إلى ما بهم، فقال عمر: والله ما شككت منذ أسلمت إلى يومئذ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست رسول الله؟ قال: (بلى). قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: (بلى). قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟
قال: (إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري).
قلت: ألست تحدثنا أنا سنأتي البيت، فنطوف به؟ قال: (بلى). قال: (هل أخبرتك أنا نأتيه العام؟). قلت: لا، قال: (فإنك آتيه ومطوف به)، قال: ثم أتيت أبا بكر، وقلت: أليس هذا نبي الله حقا؟
قال: بلى. قلت: أفلسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قلت: فلم يعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل إنه رسول الله، وليس يعصي ربه، فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق. قلت: أوليس كان يحدث أنا سنأتي البيت، ونطوف به؟ قال: بلى. قال: أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه وتطوف به. قال عمر: فما زلت أصوم وأتصدق، وأصلي، وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به.
قالوا: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب أشهد رجالا على الصلح من المسلمين، ورجالا من المشركين، أبا بكر، وعمر، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، وسعد بن أبي وقاص، ومحمود بن مسلمة أخا بني عبد الأشهل، ومكرز بن حفص بن الأحنف، وهو مشرك، وعلي بن أبي طالب، وكان هو كاتب الصحيفة.
فلما فرغ رسول الله من قصته سار مع الهدي، وسار الناس، فلما كان الهدي دون الجبال التي تطلع على وادي الثنية، عرض له المشركون فردوا وجوهه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم حيث حبسوه، وهي الحديبية وقال لأصحابه: (قوموا، فانحروا، ثم احلقوا). قال: فوالله ما قام منهم رجل. حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد. قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس.
فقالت أم سلمة: يا نبي الله اخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنتك وتدعو
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»