تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٩ - الصفحة ٥٨
لن يتنخم النبي صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه، وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيما له.
فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: أي قوم لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر، وكسرى، والنجاشي، والله إن رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن يتنجم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه، وجلده، وإذا أمرهم أمرا ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم، وما يحدون النظر تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.
فقال رجل من كنانة: دعوني آتيه. قالوا: أتيه. فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال النبي: (هذا فلان من قوم يعظمون البدن، فابعثوها له) فبعثت له، واستقبله قوم يلبون، فلما رأى ذلك، قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، ثم بعثوا إليه الجليس بن علقمة بن ريان، وكان يومئذ سيد الأحابيش، فلما رآه رسول الله قال صلى الله عليه وسلم (إن هذا من قوم يتألهون، فابعثوا بالهدي في وجهه حتى يراه).
فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده، قد أكل أوتاده من طول الحبس، رجع إلى قريش، ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاما لما رأى، فقال: يا معشر قريش، إني قد رأيت ما لا يحل صده، الهدي في قلائده، قد أكل أوتاده من طول الحبس عن محله، فقالوا له: اجلس، فإنما أنت أعرابي لا علم لك، فغضب الجليس عند ذلك، فقال: يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم، ولا على هذا عاقدناكم أن تصدوا عن بيت الله من جاءه معظما له، والذي نفس الجليس بيده، لتخلن بين محمد، وبين ما جاء له، أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد، فقالوا له: كف عنا يا جليس حتى نأخذ لأنفسنا بما نرضى به.
فقام رجل منهم يقال له: مكرز بن حفص، فقال: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم (هذا مكرز بن حفص، وهو رجل فاجر)، فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء سهيل بن عمرو فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قد سهل لكم أمركم، القوم يأتون إليكم بأرحامكم، وسائلوكم الصلح، فابعثوا الهدي وأظهروا التلبية لعل ذلك يلين قلوبهم) فلبوا من نواحي العسكر حتى ارتجت أصواتهم بالتلبية، فجاءوا، فسألوا الصلح، وقال سهيل: هات نكتب بيننا وبينكم كتابا، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ح فقال له: (اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم). فقال سهيل: أما الرحمن فلا أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم، كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: (اكتب باسمك اللهم)، ثم قال: (اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله). فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم (والله إني لرسول الله وإن كذبتموني). ثم قال لعلي: (امح رسول الله)،
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»