تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٩ - الصفحة ٣١٠
بالعباد، والذي صدق قوله ونجز وعده لا خلق لذلك فإنه يقول ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد، واتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية فإنه من يتق الله كفر عنه سيئاته، ويعظم له أجرا، ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما، وان تقوى الله توقي مقته وتوقي عقوبته وتوقي سخطه، وأن تقوى الله تبيض الوجوه وترضي الرب وترفع الدرجة خذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله فقد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في سبيل الله حق جهاده، هو اجتباكم وسماكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيى عن بينة ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد اليوم، فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفيه الله ما بينه وبين الناس، وذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك الناس ولا يملكون منه، الله أكبر ولا قوة إلا بالله العظيم).
فلهذا صارت الخطبة شرطا في انعقاد الجمعة وهو قول جمهور العلماء، وقال الحسن: هي مستحبة وليست بفرض، وقال سعيد بن جبير: هي بمنزلة الركعتين من الظهر فإذا تركها وصلى الجمعة فقد صلى الركعتين من الظهر، وأقل ما يجزي من الخطبة أن يحمد الله ويصلي على نبيه ويوصي بتقوى الله سبحانه ويقرأ آية من القرآن في الخطبة الأولى ويجب في الثانية أربع كالأولى إلا إن الواجب بدل قراءة الآية الدعاء، هذا قول أكثر العلماء والفقهاء، وقال أبو حنيفة: لو اقتصر على التحمد أو التسبيح أو التكبير أجزاه، وقال أبو يوسف ومحمد: الواجب ما يتناوله أسم الخطبة.
ثم القيام شرط في صحة الخطبة مع القدرة عليه في قول عامة الفقهاء إلا أبا حنيفة فإنه لم يشرطه فيها، والدليل على أن القيام شرط في الخطبة قوله سبحانه: " * (وتركوك قائما) *). وحديث ابن عمر: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين إلا وهو قائم.
وللشافعي قولان في الطهارة في حال الخطبة فقال في الجديد: هي شرط في الخطبة، وقال في القديم: ليست بشرط، وهو مذهب أبي حنيفة رحمة الله.
فهذا بيان القول في أول جمعه جمعت في الإسلام، وأول جمعه جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول خطبة خطبها فيها في المدينة، فأما أول جمعة جمعت بعدها بالمدينة فقال ابن عباس: أول جمعة جمعت في الإسلام بعد الجمعة بالمدينة بقرية يقال لها جواثا من قرى البحرين.
قوله: " * (فاسعوا إلى ذكر الله) *) أي أمضوا إليه واعملوا له.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا
(٣١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 ... » »»