تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٨ - الصفحة ٧٧
فقال: يا نبي الله إني لم أسخر منهم غير أن ضحكي كان تعجبا مما كنت أسمع وأرى في طريقي. فقال سليمان: (وما ذاك؟).
قال: اعلم أني مررت برجل على شط نهر ومعه بغلة يريد سقيها ومعه جرة يريد أن يستقي فيها، فسقى البغلة وملأ الجرة، ثم أراد أن يقضي حاجته فشد البغلة بإذن الجرة فنفرت البغلة وجرت الجرة فكسرتها، فضحكت من حمق الرجل حيث توهم أن الجرة تحبس البغلة.
ومررت برجل وهو جالس عند إسكاف يستعمله في إصلاح خف له، فسمعته يشترط معه أن يصلحه بحيث يبقى معه أربع سنين ونسي نزول الموت به قبله، فضحكت من غفلته وجهله.
ومررت بعجوز تتكهن وتخبر الناس بما لا يعلمون من أمر السماء، وقد كنت عهدت رجلا دفن في موضع فراشها ذهبا كثيرا في الدهور الخالية، فرأيتها تموت جوعا وتحت فراشها ذهب كثير لا تعلم بمكانه، ثم تخبر الناس عن أمر السماء فضحكت منها.
ومررت برجل في بعض المدن، وقد كان به داء فيما قيل فأكل البصل فبرأ من دائه، فصار يتطبب للناس، فكان لا يأتيه أحد يسأله عن علة إلا أمره بأكل البصل وإنه لأضر شيء، حتى إن ضره ليصل إلى الدماغ، فضحكت منه.
ومررت ببعض الأسواق فرأيت الثوم وهو أفضل الأدوية كلها يكال كيلا، ورأيت الفلفل وهو أحد السموم القاتلة يوزن وزنا فضحكت من ذلك.
ومررت بناس قد جلسوا يبتهلون إلى الله تعالى ويسألونه المغفرة والرحمة، فمل منهم قوم وقاموا، وجاء آخرون وجلسوا فرأيت الرحمة قد نزلت عليهم، فأخطأت الذين كانوا من أهل المجلس، وغشيت الذين جاؤوا فجلسوا، فضحكت؛ تعجبا للقضاء والقدر.
قالوا: فقال سليمان له: هل عرفت في كثرة تجاربك وجولاتك في البر والبحر شيئا تنحت به هذه الجواهر فتلين فيسهل نحتها وثقبها فلا تصوت؟ فقال: نعم يا نبي الله، أعرف حجرا أبيض كاللبن يقال له السامور غير أني لا أعرف معدنه الذي هو فيه، وليس في الطير شيء هو أحيل ولا أهدى من العقاب. فمر بعقاب أن تجعل فراخه في صندوق حجر معه ليلة، ثم تسرح ذلك العقاب وتترك فراخه في الصندوق فإنه سيأتي بذلك الحجر فيضرب به ظهر الصندوق حتى ينقبه به ليصل إلى فراخه.
قال: فأمر سليمان بعقاب مع فراخه فجعله في صندوق من حجر يوما وليلة، ثم سرح العقاب دون الفراخ، فمر العقاب وجاء بذلك الحجر بعد يوم وليلة، وثقب به الصندوق حتى
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»