الرسل خمسمائة وخمسين عاما، فلما بعث الله محمدا (عليه السلام) كلم الله جبرائيل بالرسالة إلى محمد، فلما سمعت الملائكة الصوت ظنوا أنها الساعة قد قامت فصعقوا مما سمعوا. فلما انحدر جبرائيل جعل يمر بأهل كل سماء فيكشط عنهم فيرفعون رؤوسهم، فيقول بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم؟ فلم يدروا ما كان ولكنهم قالوا: قال الحق وهو العلي الكبير؛ وذلك أن محمدا عند أهل السماوات من أشراط الساعة، فلما بعثه الله تعالى فزع أهل السماوات لا يشكون إلا أنها الساعة.
وقال الضحاك: إن الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض يكتبون أعمالهم، إذا أرسلهم الرب فانحدروا سمع لهم صوت شديد، فيحسب الذين هم أسفل من الملائكة أنه من أمر الساعة فيخرون سجدا ويصعقون، حتى يعلموا أنه ليس من أمر الساعة، وهذا تنبيه من الله سبحانه وإخبار أن الملائكة مع هذه الصفة لا يمكنهم أن يشفعوا لأحد إلا أن يؤذن لهم، فإذا أذن الله لهم وسمعوا وحيه كان هذا حالهم. فكيف تشفع الأصنام؟
وقال آخرون: بل الموصوفون بذلك المشركون.
قال الحسن وابن زيد يعني: حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند نزول الموت بهم إقامة للحجة عليهم، قالت لهم الملائكة: ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا: الحق، فأقروا به حين لم ينفعهم الإقرار، ودليل هذا التأويل قوله تعالى في آخر السورة: " * (ولوترى إذا فزعوا فلا فوت) *).
" * (قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) *) هذا على جهة الإنصاف في الحجاج كما يقول القائل: أحدنا كاذب وهو يعلم أنه صادق وأن صاحبه كاذب.
والمعنى: ما نحن وأنتم على أمر واحد، إن أحد الفريقين لمهتد والآخر ضال. فالنبي ومن معه على الهدى ومن خالفه في ضلال، فكذبهم بأحسن من تصريح التكذيب.
وقيل هذا على جهة الاستهزاء بهم وهو غير شاك في دينه، وهذا كقول الشاعر وهو أبو الأسود:
يقول الأرذلون بنو قشير:
طوال الدهر لا تنسى عليا بنو عم النبي وأقربوه أحب الناس كلهم إليا فإن يك حبهم رشدا أصبه وليس بمخطئ إن كان غيا