تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٨ - الصفحة ٨١
ولم يعلموا مذ كم مات، فوضعوا الأرضة على العصا، فأكلت منها يوما وليلة، ثم حسبوا على ذلك النحو فوجدوه قد مات من سنة، وكانت الجن تعمل بين يديه ينظرون إليه ويحسبون أنه حي ولا ينظرون احتباسه عن الخروج إلى الناس لطول صلاته قبل ذلك.
وهي في قراءة ابن مسعود: فمكثوا يدأبون له من بعد موته حولا كاملا، فأيقن الناس أن الجن كانوا يكذبونهم، ولو أنهم علموا الغيب لعلموا بموت سليمان ولم يلبثوا في العذاب سنة يعملون له. ثم إن الشياطين قالوا للأرضة: لو كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيب الطعام، ولو كنت تشربين الشراب سقيناك أطيب الشراب، ولكنا سننقل إليك الطين والماء. فهم ينقلون إليها ذلك حيث كانت. قال: ألم تر إلى الطين الذي يكون فوق الخشب فهو مما يأتيها به الشياطين تشكرا لها، فذلك قوله تعالى: " * (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض) *) وهي الأرضة، ويقال لها: القادح أيضا وهي دويبة تأكل العيدان.
" * (تأكل منسأته) *) أي عصاه، فأصلها من نسأت الغنم إذا زجرتها وسقتها، وقال طرفة:
أمون كألواح الأران نسأتها على لاحب كأنه ظهر برجد أي سقتها، وهمزها أكثر القراء، وترك همزها أبو عمرو وأهل المدينة، وهما لغتان، وقال الشاعر في الهمز:
ضربنا بمنسأة وجهه فصار بذاك مهينا ذليلا وقال الآخرون في ترك الهمز:
إذا دببت على المنساة من هرم فقد تباعد عنك اللهو والغزل قوله: " * (فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) *)، و " * (أن) *) في محل الرفع؛ لأن معنى الكلام: فلما خر تبين وانكشف أن لو كان الجن أي ظهر أمرهم، وفي قراءة ابن مسعود أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين، وقيل: " * (أن) *) في موضع نصب أي علمت وأيقنت الجن أن لو كانوا يعلمون.
وقال أهل التاريخ: كان عمر سليمان (عليه السلام) ثلاثا وخمسين سنة وكان مدة ملكه أربعين سنة، وملك يوم ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وابتدأ في بناء بيت المقدس لأربع سنين مضين من ملكه والله أعلم.
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»