وقوله: " * (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) *) ليس بترخيص وتخيير، إنما هو وعيد وتهديد، كقوله: " * (اعملوا ما شئتم) *). قال ابن عباس: من شاء الله له الايمان آمن، ومن شاء له الكفر كفر، وهو قوله: * (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) * * (إنا اعتدنا) *): أعددنا وهيأنا، من العتاد، وهو العدة " * (للظالمين) *): للكافرين " * (نارا) *)، وفيه دليل على أن النار مخلوقة؛ لأنها لو لم تكن مخلوقة موجودة معدة لكان المخبر كذابا، وتعالى الله عن ذلك.
وقوله: " * (أحاط بهم سرادقها) *)، روى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سرادق النار أربعة جدر كثف، كل واحد مسيرة أربعين سنة). وقال ابن عباس: هو حائط من نار. الكلبي: هو عنق يخرج من النار فيحيط بالكفار كالحظيرة. وقال القتيبي: السرادق الحجرة التي تكون حول الفسطاط. قال رؤبة:
يا حكم بن المنذر بن الجارود سرادق المجد عليك ممدود وقال سلامة بن جندل:
هو المدخل النعمان بيتا سماؤه صدور الفيول بعد بيت مسردق وهو هاهنا دخان يحيط بالكفار يوم القيامة، وهو الذي ذكره الله في سورة المرسلات: " * (انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب) *).
" * (وإن يستغيثوا) *) من شدة العطش " * (يغاثوا بماء كالمهل) *)، روى أبو مسلم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم " * (بماء كالمهل) *) قال: (كعكر الزيت، فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه فيه). وقال ابن عباس: ماء غليظ مثل دردي الزيت. وقال الأعمش: هو عصارة الزيت. ومجاهد: القيح والدم. قال الضحاك: المهل ماء أسود، وإن جهنم سوداء، ماؤها أسود، وشجرها أسود، وأهلها سود. وقال أبو عبيدة: كل ما أذيب من جواهر الأرض.
وروى روح بن عبادة، عن سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن ابن مسعود أهديت له سقاية من ذهب وفضة، فأمر بأخدود فخد في الأرض، ثم قذف فيه من جزل الحطب، ثم قذف فيه تلك السقاية، فلما أزبدت وانماعت، قال لغلامه: ادع من بحضرتك من أهل الكوفة. فدعا رهطا، فلما دخلوا عليه قال: أترون هذا؟ قالوا: نعم. قال: ما رأينا في الدنيا شبها بالمهل أدنى