تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٦ - الصفحة ١٤٧
وقال كعب هي قريتهم. وهو على هذا التأويل من رقمة الوادي وهو موضع الماء منه، تقول العرب: عليك بالرقمة، ودع الضفة. والضفتان: جانبا الوادي. وقال سعيد بن جبير: الرقيم لوح من حديد، وقيل: من رصاص، كتبوا فيه أسماء أصحاب الكهف وقصتهم، ثم وضعوه على باب الكهف. وهو على هذا التأويل بمعنى المرقوم، أي المكتوب. والرقم: الخط والعلامة، والرقم: الكتابة.
ثم ذكر قصتهم فقال: " * (إذ أوى الفتية إلى الكهف) *)، أي رجعوا وصاروا. واختلفوا في مسيرهم إلى الكهف، فقال محمد بن إسحاق بن يسار: مرج أهل الإنجيل وعظمت فيهم الخطايا وطغت فيهم الملوك حتى عبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت، وفيهم بقايا على دين المسيح ابن مريم (عليه السلام)، متمسكين بعبادة الله عز وجل وتوحيده. وكان ممن فعل ذلك من ملوكهم ملك من الروم يقال له دقيانوس كان قد عبد الأصنام وذبح للطواغيت وقتل من خالفه في ذلك ممن أقام على دين المسيح. وكان ينزل بقرى الروم فلا يترك في قرية ينزلها أحدا إلا فتنه حتى يعبد الأصنام، ويذبح للطواغيت، حتى نزل مدينة أصحاب الكهف وهي أفسوس، فلما نزلها كبر ذلك على أهل الإيمان فاستخفوا منه وهربوا في كل وجه. وكان دقيانوس قد أمر حين قدمها أن يتتبع أهل الإيمان، فيجمعوا له، واتخذ شرطا من الكفار من أهلها، فجعلوا يتتبعون أهل الإيمان في مساكنهم فيخرجونهم إلى دقيانوس فيقدمهم إلى الجامع الذي يذبح فيه للطواغيت، فيخيرهم بين القتل وبين عبادة الأصنام والذبح للطواغيت، فمنهم من يرغب في الحياة ومنهم من يأبى أن يعبد غير الله فيقتل.
فلما رأى ذلك أهل الشدة في الإيمان بالله عز وجل، جعلوا يسلمون أنفسهم للعذاب والقتل، فيقتلون ويقطعون ثم يربط ما قطع من أجسامهم على سور المدينة من نواحيها كلها وعلى كل باب من أبوابها، حتى عظمت الفتنة على أهل الإيمان فمنهم من أقر فترك ومنهم من صلب على دينه فقتل.
فلما رأى الفتية ذلك حزنوا حزنا شديدا، فقاموا وصلوا وصاموا واشتغلوا بالدعاء والتسبيح لله عز وجل، وكانوا من أشراف الروم، وكانوا ثمانية نفر، فبكوا وتضرعوا وجعلوا يقولون: " * (ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا) *)، اكشف عن عبادك هذه الفتنة، وارفع عنهم البلاء، وأنعم على عبادك الذين آمنوا بك حتى يعلنوا عبادتك. فبينا هم على ذلك إذ أدركهم الشرط، وكانوا قد دخلوا في مصلى لهم فوجدوهم سجودا على وجوههم يبكون ويتضرعون إلى الله عز وجل ويسألونه أن ينجيهم من دقيانوس وفئته. فلما رآهم أولئك الكفرة قالوا لهم: ما خلفكم عن أمر الملك؟ انطلقوا إليه. ثم خرجوا من عندهم فرفعوا أمرهم إلى دقيانوس، فقالوا: نجمع الجميع وهؤلاء الفتية من أهل بيتك يسخرون منك ويعصون أمرك؟
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»