تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٦ - الصفحة ١٥٢
فلما نزعا الحجارة وفتحا باب الكهف أذن الله عز و جل بالقدرة والعظمة والسلطان محيي الموتى للفتية أن يجلسوا بين ظهراني الكهف، فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم طيبة أنفسهم، فسلم بعضهم على بعض كأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون بها إذا أصبحوا من ليلتهم التي يبيتون فيها. ثم قاموا إلى الصلاة فصلوا كالذي كانوا يفعلون، لا يرى في وجوههم ولا أبشارهم ولا ألوانهم شيء ينكرونه، وإنما هم كهيئتهم حين رقدوا، وهم يرون أن ملكهم دقيانوس الجبار في طلبهم.
فلما قضوا صلاتهم قالوا لتمليخا صاحب نفقتهم: إيتنا يا أخانا ما الذي قال الناس في شأننا عشية أمس عند هذا الجبار وهم يظنون أنهم قد رقدوا كبعض ما كانوا يرقدون، وقد خيل إليهم أنهم قد ناموا كأطول ما كانوا ينامون في الليلة التي أصبحوا فيها، حتى تساءلوا بينهم فقال بعضهم لبعض: " * (كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم) *).
وكل ذلك في أنفسهم يسير، فقال لهم تمليخا: افتقدتم والتمستم بالمدينة وهو يريد أن يؤتى بكم اليوم فتذبحوا للطواغيت أو يقتلكم، فما شاء الله بعد ذلك فعل. فقال لهم مكسلمينا: يا إخوتاه، اعلموا أنكم ملاقو الله، فلا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم غدا. ثم قالوا لتمليخا: انطلق إلى المدينة فتسمع ما يقال (عنا) بها اليوم وما الذي نذكر به عند دقيانوس، وتلطف ولا تشعرن بنا أحدا، وابتع لنا طعاما فائتنا به، فإنه قد نالنا الجوع، وزدنا على الطعام الذي جئتنا به فإنه كان قليلا فقد أصبحنا جياعا. ففعل تمليخا كما كان يفعل، ووضع ثيابه، وأخذ الثياب التي كان يتنكر فيها، فأخذ ورقا من نفقتهم التي كانت معهم التي ضربت بطابع دقيانوس، وكانت كخفاف الربع. فانطلق تمليخا خارجا فلما مر بباب الكهف رأى حجارة منزوعة عن باب الكهف فعجب منها، ثم مر فلم يبال بها، حتى أتى باب المدينة مستخفيا يصد عن الطريق تخوفا أن يراه أحد من أهلها فيعرفه فيذهب إلى دقيانوس، ولا يشعر العبد الصالح أن دقيانوس وأهله قد هلكوا قبل ذلك بثلاثمائة سنة.
فلما رأى تمليخا باب المدينة رفع بصره فرأى فوق ظهر الباب علامة تكون لأهل الإيمان، فلما رآها عجب وجعل ينطر إليها مستخفيا، فنظر يمينا وشمالا ثم ترك ذلك الباب فتحول إلى باب آخر من أبو ابها فنظر فرأى مثل ذلك، فجعل يخيل إليه أن المدينة ليست بالتي كان يعرف ورأى ناسا كثيرا محدثين لم يكن رآهم قبل ذلك، فجعل يمشي ويعجب ويخيل إليه أنه حيران، ثم رجع إلى الباب التي أتى منها، فجعل يتعجب منه ومن نفسه ويقول: يا ليت شعري أما هذه عشية أمس فكان المسلمون يخفون هذه العلامة ويستخفون بها، فأما اليوم فإنها ظاهرة فلعلي حالم ثم يرى أنه ليس بنائم، فأخذ كساءه فجعله على رأسه ثم دخل المدينة، فجعل يمشي بين
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»