فجعل يبكي حتى سقطت أشفار عينيه، فنزل مرة إلى العيد فلما رجع إذا هو بامرأة قد خلت له عند قبر من تلك القبور تبكي وتقول: يامطعماه ياكاسياه.
فقال لها عزير: يا هذه اتقي الله واصبري واحتسبي، أما علمت أن الموت سبيل الناس، وقال: ويحك من كان يطعمك ويكسوك قبل هذا الرجل يعني زوجها الذي كانت تندبه قالت: الله، قال: فإن الله حي لم يمت، قالت: ياعزير فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال: الله، قالت: فلم تبكي عليهم، وقد علمت أن الموت حق وأن الله حي لا يموت، فلما عرف عزير أنه قد خصم ولى مدبرا.
فقالت له: يا عزير إني لست بامرأة ولكني الدنيا، أما إنه ينبع ماء في مصلاك عين، وتنبت شجرة فكل من ثمرة تلك الشجرة واشرب من ماء تلك العين واغتسل وصل ركعتين فإنه يأتيك شيخ فما أعطاك فخذ منه، فلما أصبح نبعت من مصلاه عين، ونبتت شجرة ففعل ما أمرته به، فجاء شيخ فقال له: افتح، قال: ففتح فاه وألقى فيه شيئا كهيئة الجمرة العظيمة مجتمعا كهيئة القوارير ثلاث مرات، ثم قال له: ادخل هذه العين فامش فيها حتى تبلغ قومك، قال: فدخلها فجعل لا يرفع قدمه إلا زيد في علمه حتى انتهى إلى قومه، فرجع إليهم وهو من أعلم الناس بالتوراة. فقال: يا بني إسرائيل قد جئتكم بالتوراة.
قالوا: ياعزير ما كنت كاذبا، فربط على كل إصبع له قلما وكتب بأصابعه كلها حتى كتب التوراة على ظهر قلبه، فأحيا لهم التوراة، وأحيا لهم السنة، فلما رجع العلماء استخرجوا كتبهم التي دفنوها من توراة عزير فوجودها مثلها، فقالوا: ما أعطاه الله ذلك إلا لأنه ابنه.
وقال الكلبي: إن بختنصر لما ظهر على بني إسرائيل وهدم بيت المقدس وقتل من قرأ التوراة كان عزير إذ ذاك غلاما صغيرا فاستضعفوه، فلم يقبله ولم يدر أنه قرأ التوراة، فلما توفي مائة سنة ورجعت بنو إسرائيل إلى بيت المقدس وليس منهم من يقرأ التوراة، فبعث الله عز وجل عزيرا ليجدد لهم التوراة ويكون آية لهم، فأتاهم عزير وقال: أنا عزير فكذبوه وقالوا: إن كنت كما تزعم عزير فاتل علينا التوراة، فكتبها وقال: هذه التوراة.
ثم إن رجلا قال: إن أبي حدثني عن جدي أن التوراة جعلت (لنبي) ثم دفنت في كوم فانطلقوا معه حتى احتفرها وأخرجوا التوراة وعارضوا بما كتب لهم عزير فلم يجدوه غادر منه حرفا ولا آية فعجبوا وقالوا: ابن الله، ما جعل التوراة في قلب رجل واحد بعد ما ذهبت من قلوبنا إلا أنه ابنه، فعند ذلك قالت اليهود: عزير ابن الله.