تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٥ - الصفحة ٢٧
معنى النجس والسبب الذي من أجله سماهم بذلك، فروي عن ابن عباس: ما المشركون إلا رجس خنزير أو كلب، وهذا قول غير مرضي لمعنيين أحدهما أنه روي عنه من وجه غير حميد فلا يصح عنه، والآخر أن هذه نجاسة الحكم لا نجاسة العين؛ لأن أعيانهم لو كانت نجسة كالكلب والخنزير لما طهرهم الإسلام، ولا يستوي في النهي عن دخول المشركين المسجد الحرام وغيره من المساجد، واحتج من قال أعيانهم نجسة بما روي أن عمر بن عبد العزيز كتب أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين، وأتبع نهيه بقول الله تعالى " * (إنما المشركون نجس) *).
وكما روي عن الحسن أنه قال: لا تصافحوا المشركين. فمن صافحهم فليتوضأ، وقال قتادة: سماهم نجسا لأنهم يجنبون ولا يغتسلون، ويحدثون ولا يتوضؤون، فمنعوا من دخول المسجد لأن الجنب لا ينبغي أن يدخل المسجد.
وقال الحسين بن الفضل: هذه نجاسة الحكم لا نجاسة العين فسموا نجسا على الذم، يدل عليها ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لقى حذيفة فأخذ صلى الله عليه وسلم بيده، فقال حذيفة: يا رسول الله إني جنب، فقال: (إن المؤمن لا ينجس).
" * (فلا يقربوا المسجد الحرام) *) قال أهل المعاني: أراد بهذا منعهم من دخول الحرم لأنهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا المسجد الحرام، قال عطاء الحرم كله قبلة ومسجد وتلا هذه الآية.
جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الحرم إلا أهل الجزية أو عبد لرجل من المسلمين، ونساؤهم حل لكم، وقرأ: بعد عامهم هذا يعني العام الذي حج فيه أبو بكر ح عنه بالناس، ونادى علي كرم الله وجهه ببراءة وهو سنة تسع في الهجرة " * (وإن خفتم عيلة) *) الآية.
قال المفسرون: وكان المشركون يجلبون إلى البيت الطعام ويتجرون ويتبايعون، فلما منعوا من دخول الحرم شق ذلك على المسلمين، والقى الشيطان في قلوبهم الخوف وقال لهم: من أين تأكلون وتعيشون وقد بقي المشركون وانقطعت عنهم العير.
فقال المؤمنون: يا رسول الله قد كنا نصيب من تجارتهم وبياعاتهم فالآن تنقطع عنا الأسواق ويملك التجارة، ويذهب ما كنا نصيب منها من المرافق، فأنزل الله عز وجل " * (وإن خفتم عيلة) *).
وقال عمرو بن فايد: معناه وإذا خفتم؛ لأن القوم كانوا قد خافوا، وذلك هو قول القائل: إن كنت أبي فأكرمني يعني (إن خفت) عيلة فقرا وفاقة. يقال عال يعيل عيلة وعيولا. قال الشاعر:
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»