تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٥ - الصفحة ٢١١
وأما أهل الحقائق فإنهم قالوا في وجه هذه الآية: إن الهم همان: هم مقيم (ثابت) وهو إذا كان مع عزيمة وعقد ونية ورضى مثل هم امرأة العزيز فالعهد مأخوذ.
وهم عارض وارد وهو الخطرة والفكرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزيمة مثل هم يوسف (عليه السلام)، والعهد غير مأخوذ ما لم يتكلم به أو يفعله، يدل عليه ما روي عن ابن (المبارك) قال: قلت لسفيان: أيؤخذ العهد بالهمة؟ قال: إذا كان عزما أخذ بها.
وروي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عز وجل: (إذا هم عبدي بالحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة، وإن عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، وإذا هم عبدي بالسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه، فإن عملها كتبتها عليه سيئة واحدة، فإن تركها من أجلي كتبتها له حسنة).
والقول بإثبات مثل هذه: الزلات والصغائر على الأنبياء (عليهم السلام) غير محظور لضرب من الحكمة:
أحدها: ليكونوا من الله تعالى على وجل إذا ذكروها فيجدون في طاعته إشفاقا منها ولا يتكلون على سعة رحمة الله.
والثاني: ليعرفهم موقع نعمته وامتنانه عليهم بصرفه عنهم.
والثالث: ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رجاء رحمة الله وترك اليأس من عفوه وفضله.
وقد روى عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من أحد إلا يلقى الله عز وجل قد هم بخطيئة أو عملها إلا يحيى بن زكريا فإنه لم يهم ولم يعملها).
وعن مصعب بن عبد الله قال: حدثني مصعب بن عثمان قال: كان سليمان بن يسار من أحسن الناس وجها، فدخلت عليه امرأة تستفتيه: (فتأمنته) بنفسه فامتنع عليها وذكرها، فقالت له: إن لم تفعل لأشهرن بك ولأصيحن بك، قال: فخرج وتركها، فرأى في منامه يوسف النبي (عليه السلام)، فقال له: أنت يوسف؟ قال: أنا يوسف النبي هممت وأنت سليمان الذي لم تهم.
وأما البرهان الذي رآه يوسف (عليه السلام) فإن العلماء اختلفوا فيه، فأخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى عن أبي العباس الأصم عن الحسن بن علي، عن الحسين بن عطية عن إسرائيل عن أبي حصين عن سعيد عن ابن عباس " * (لولا أن رأى برهان ربه) *) قال: مثل له يعقوب فضرب يده في صدره، فخرجت شهوته من أنامله
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»