تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٥ - الصفحة ٢٠٧
صالحين تائبين، فغلب أمره حتى نسوا الذنب وأصروا حتى أقروا بين يدي يوسف في آخر الأمر بعد أربعين سنة، وقالوا: وإن كنا خاطئين، وقالوا لأبيهم: إنا كنا خاطئين.
ثم أرادوا أن يغروا باسم القميص والدم والبكاء، فغلب أمره حتى لم يخدع، وقال: " * (بل سولت لكم أنفسكم أمرا) *) ثم احتالوا أن تذهب محبته من قبل أبيه، فغلب أمره حتى ازدادت المحبة والشوق في قلبه، ثم تدبر يوسف أن يتخلص من السجن بذكر الساقي، فغلب أمره حتى نسي الساقي في ذكره، ولبث في السجن بضع سنين، ثم احتالت امرأة العزيز أن (تترك) المراودة عن نفسها حتى قالت " * (ما جزاء من أراد بأهلك سوء) *) الآية، فغلب أمره حتى شهد الشاهد من أهلها.
" * (ولما بلغ أشده) *) أي منتهى شبابه وشدة قوته، قال مجاهد: ثلاثا وثلاثين سنة، الضحاك: عشرين سنة، وروى ابن عباس أنه ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة، وقيل: إلى أربعين، وقيل: إلى ستين، والأشد: جمع شد، مثل قد، أقد، وشر وأشر، وضر وأضر، قال حميد:
وقد أتى لو تعبت العواذل بعد الأشل أربع كوامل قال الشاعر:
هل غير أن كثر الأشل وأهلكت حرب الملوك أكاثر الأموال " * (آتيناه حكما وعلما) *) قال مجاهد: العقل والفهم والعلم قبل النبوة، وقال أهل المعاني: يعني إصابة في القول، وعلما بتأويل الرؤيا وموارد الأمور ومصادرها.
" * (وكذلك نجزي المحسنين) *) قال ابن عباس: المؤمنين، وعنه أيضا: المهتدين، وقال (الصدوق) عن الضحاك: يعني الصابرين على النوائب كما صبر يوسف، وقال محمد بن كعب: هذا وإن كان مخرج ظاهره على كل محسن، فإن المراد به محمد نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: كما فعلت بيوسف بعدما لقي من إخوته ما لقي وقاسى من البلاء ما قاسى فمكنته في الأرض، ووطأت له في البلاد، وآتيته الحكم والعلم فكذلك أفعل بك، أنجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بالعداوة، وأمكن لك في الأرض، وأزيدك الحكم والعلم؛ لأن ذلك جزائي لأهل الإحسان في أمري ونهيي.
(* (وراودته التى هو فى بيتها عن نفسه وغلقت الابواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربىأحسن مثواى إنه لا يفلح الظالمون * ولقد همت به وهم بها لولاأن رأى برهان ربه كذالك
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»