غاديا فقلت: أنطلق غدا إلى السوق أشتري جهازي ثم ألحق بهم فانطلقت إلى السوق من غد فعسر علي بعض شأني فرجعت فقلت: أرجع غدا إن شاء الله فألحق بهم، فعسر علي بعض شأني أيضا فلم أزل كذلك حتى التبس بي الذنب وتخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أمشي في الأسواق وأطوف بالمدينة فيحزنني أني لا أرى أحدا تخلف إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء وكان الناس كثيرا لا يجمعهم ديوان وكان جميع من تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم بضعا وثمانين رجلا ولم يذكرني النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو بتبوك جالس: (ما فعل كعب بن مالك؟).
فقال رجال من قومي: يا نبي الله خلفه راحلته والنظر في عطفيه، فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت والله يا نبي الله ما نعلم إلا خيرا، فبينما هم كذلك إذا هم برجل مبيضا يزول به السراب فقال النبي صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة وإذا به أبو خثيمة الأنصاري وهو الذي تصدق بصاع التمر فلمزه المنافقون، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك وقفل إلى المدينة (جعلت بما أخرج) من سخط النبي صلى الله عليه وسلم فأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي حتى إذا قيل أن النبي صلى الله عليه وسلم (مضى يصلي) بالغداة راح عني الباطل وعرفت أن لا أنجو إلا بالصدق فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وصلى في المسجد ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاءه المخلفون يحلفون له ويعتذرون إليه فيستغفر لهم فقبل منهم علانيتهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى فدخلت المسجد فإذا هو جالس فلما رآني تبسم تبسم المغضب فجئت فجلست بين يديه فقال: (ألم تكن قد ابتعت ظهرك) قلت: بلى يا رسول الله قال: (فما خلفك)؟.
قلت: والله لو كنت بين يدي أجد من الناس غيرك جلست لخرجته من سخطته بعذر ولقد أوتيت جدلا، ولكن قد علمت يا نبي الله أني أن أخبرك اليوم بقول تجد علي فيه وهو حق فإني أرجو فيه عفو الله وإن حدثتك اليوم حديثا ترضى عني فيه وهو كذب أوشك أن يطلعك الله عليه والله يا نبي الله ما كنت قط أيسر ولا أخف حاذا مني حين تخلفت عنك.
فقال صلى الله عليه وسلم (أما هذا فقد صدقكم الحديث قم حتى يقضي الله فيك).
فقمت فإذا على أثري ناس من قومي فاتبعوني فقالوا: والله ما نعلمك أذنبت ذنبا قبل هذا فهلا اعتذرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يرضى عنك فيه وكان استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك كافيك من ذنبك ولم تقف نفسك موقفا ما تدري ماذا يقضي لك به؟ فلم يزالوا يؤنبوني حتى صممت أن أرجع فأكذب نفسي فقلت: هل قال هذا القول أحد غيري؟ قالوا: نعم، قالوا: هلال بن أمية الواقفي وأبو مرارة بن ربيعة العامري. فذكروا رجلين صالحين قد شهدوا بدرا لي فيهما أسوة فقلت: والله لا أرجع إليه في هذا أبدا، ولا أكذب نفسي قال: ونهى النبي صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامنا (أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه) قال: فجعلت أخرج إلى السوق فلا يكلمني أحد وتنكر لنا الناس حتى) ما هم بالذين نعرف، وتنكرت لنا الحيطان حتى ما هي الحيطان التي نعرف وتنكرت