تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٣ - الصفحة ٢١٠
قال: فجاء سهيل فقال له نعيم: يا أبا يزيد أتضمن لي هذه الفرائض فانطلق إلى محمد وإثبطه. قال: نعم، فخرج نعيم حتى قدم المدينة فوجد الناس يتجهزون بميعاد أبو سفيان، فقال: أين تريدون؟ فقالوا: واعدنا أبو سفيان بموسم بدر الصغرى أن نقتتل بها.
قال: بئس الرأي رأيتم، أتوكم في دياركم وقراكم فلم يفلت منكم إلا شريد، فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم، والله لا يفلت منكم أحد. فكره أصحاب رسول الله الخروج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي) فأما الجبان فرجع وأما الشجاع فإنه تأهب للقتال وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى وافوا بدر الصغرى، فجعلوا يلقون المشركين ويسألونهم عن قريش فيقولون: قد جمعوا لكم. يريدون أن يرعبوا المسلمين، فيقول المؤمنون: حسبنا الله ونعم الوكيل، حتى لقوا بدر وهو ماء لبني كنانة وكانت موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر ينتظر أبا سفيان، وقد انصرف أبو سفيان من مجنة إلى مكة، فسماهم أهل مكة جيش السويق وقالوا: إنما خرجتم تشربون السويق، فلم يلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحدا من المشركين ببدر، ووافوا السوق وكانت معهم نفقات وتجارات فباعوها وأصابوا الدرهم والدرهمين، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين. فذلك قوله تعالى: " * (الذين استجابوا لله والرسول) *).
ومحل (الذين) خفض على صفة المؤمنين تقديره " * (وإن الله لا يضيع أجر المؤمنين) *) المستجيبين لله والرسول ومعنى الاستجابة: الإجابة والطاعة، نظيره قوله تعالى: " * (فليستجيبوا لي) *) فليطيعوا لي " * (من بعد ما أصابهم القرح) *) أي نالهم الجراح والكلوم، وتم الكلام هاهنا ثم ابتدأ فقال: " * (للذين أحسنوا منهم) *) بطاعة رسول الله وإجابته إلى الغزو " * (واتقوا) *) معصيته وطاعته " * (أجر عظيم) *) ثواب كثير " * (الذين قال لهم الناس) *) ومحل (الذين) خفض أيضا مردود على الذين الأول، وأراد (بالناس) نعيم ابن مسعود في قول مجاهد ومقاتل وعكرمة والواقدي، وهو على هذا التأويل من العام الذي أريد به الخاص، نظيره قوله: " * (أم يحسدون الناس) *) يعني محمدا وحده، وقوله: " * (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس) *) يريد الرجال وحده.
وقال ابن إسحاق وجماعة: يريد ب (الناس) الركب من عبد القيس وقد مضت قصتهم.
وقال السدي: لما تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه للمسير إلى ميعاد أبي سفيان، أتاهم
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»