تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٣ - الصفحة ١٢٥
وقال أهل المعاني: ابيضاض الوجوه: إشراقها واستبشارها وسرورها بعملها وثواب الله عز وجل، واسودادها حزنها وكآبتها وكسوفها بعملها وبعذاب الله تعالى يدل عليه: " * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) *) الآية وقوله: " * (والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة) *)، وقوله: * (وجوه يومئذ ناضرة) * * (ووجوه يومئذ باسرة) *).
ثم بين حالهم ومآلهم فقال " * (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم) *)، فيه اختصار يعني: فيقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم؟ واختلفوا فيه؛ فروى الربيع عن أبي العالية عن أبي بن كعب أنهم كل من كفر بعد إيمانه بالله يوم الميثاق حين أخرجهم من صلب آدم (عليه السلام) وقال لهم: " * (ألست بربكم قالوا بلى) *)، فيعرفهم الله عز وجل يوم القيامة بكفرهم فيقول: " * (أكفرتم بعد إيمانكم) *) يوم الميثاق.
قال الحسن: هم المنافقون أعطوا كلمة الإيمان بألسنتهم، وأنكروها بقلوبهم وأعمالهم. وقال يونس بن أبي مسلم: سألت عكرمة عن هذه الآية فقال: لو فسرتها لم أخرج من تفسيرها ثلاثة أيام، ولكني سأجمل لك: هؤلاء قوم من أهل الكتاب كانوا مصدقين بأنبيائهم، مصدقين بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، ولما بعث كفروا به، فذلك قوله " * (أكفرتم بعد إيمانكم) *).
وقال الآخرون: هم من أهل ملتنا.
قال الحارث الأعور: سمعت عليا (رضي الله عنه) على المنبر يقول: (إن الرجل ليخرج من أهله فما يؤوب إليهم حتى يعمل عملا يستوجب به الجنة، وإن الرجل ليخرج من أهله فما يعود إليهم حتى يعمل عملا يستوجب به النار). ثم قرأ " * (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) *) الآية.
ثم نادى الذين كفروا بعد الإيمان (أكفرتم)، يدل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم (يأتي على أمتي زمان يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا يبيع دينه بعرض يسير من الدنيا).
وقال أبو أمامة الباهلي: هم الخوارج. وقال قتادة: هم أهل البدع كلهم.
ودليل هذه التأويلات قوله: " * (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) *)
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»