تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٢ - الصفحة ٢٥٦
وعن ابن عباس فيه روايتان: " * (فصرهن) *) مفتوحة الصاد مشددة الراء مكسورة من التصرية وهي الجمع ومنه المصراة.
والثاني: " * (فصرهن) *) بضم الصاد وفتح الراء وتشديدها من الصرة وهي في معنى الجمع والشد أيضا. فمن تأوله على القطع والتفريق، ففي الكلام تقديم وتأخير تقديره: فخذ أربعة من الطير إليك فصرهن. ومن فسره على الضم ففيه إضمار معناه: فصرهن إليك، ثم قطعهن فحذفه فأكتفى بقوله تعالى: " * (ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا) *) لأنه يدل عليه، وهذا كما يقال: خذ هذا الثوب واجعل على كل رمح عندك منه علما، يريد قطعه واجعل على كل رمح علما.
" * (ثم اجعل على كل جبل منهن) *)، لفظه عام ومعناه خاص؛ لأن أربعة من الطير لا يبلغ الجبال كلها، ولا كان إبراهيم ج يصل إلى ذلك فهذا كقوله عز وجل: " * (وأتيت من كل شيء) *) كقوله " * (تدمر كل شيء) *).
" * (جزءا) *) قرأ عاصم رواية أبي بكر والمفضل " * (جزءا) *) مثقلا مهموزا حيث وقع.
وقراء أبو جعفر " * (جزءا) *) مشددة الزاء، وقرأ الباقون مهموزا مخففا، وهي لغات معناها: النصيب والبعض.
قال المفسرون: أمر الله تعالى إبراهيم ج أن يذبح تلك الطيور بريشها ويقطعها ويفرق أجزاءها ويخلط ريشها ودماءها ولحومها بعضها ببعض. ففعل ذلك إبراهيم ثم أمره أن يجعل أجزاءها على الجبال.
واختلفوا في عدد الأجزاء والجبال، قال ابن عباس وقتادة والربيع وابن أبي إسحاق: أمر بأن يجعل كل طائر أربعة أجزاء ثم يعمد إلى أربعة أجبل فيجعل على كل جبل ربعا من كل طائر ثم يدعوهن: تعالين بإذن الله. هذا مثل ضربه الله عز وجل لإبراهيم وأراه إياه، يقول: كما بعثت هذه الأطيار من هذه الأجبل الأربعة فكذلك أبعث الناس يوم القيامة من أرباع الأرض ونواحيها.
وقال ابن جريج والسدي: جزأها سبعة أجزاء فوضعها على سبعة أجبل ففعل ذلك وأمسك رؤسهن عنده، ثم دعاهن: تعالين بأمر الله سبحانه، فجعل كل قطرة من دم طير تطير إلى القطرة الأخرى، وكل ريشة تطير إلى الريشة الأخرى، وكل عظم يصير إلى الآخر، وكل بضعة تذهب إلى الأخرى، وإبراهيم ينظر حتى لقيت كل جثة بعضها بعضا في السماء بغير رأس، ثم أقبلن إلي فكلما جاء طائر مال برأسه فإن كان رأسه دنا منه وإن لم يكن رأسه تأخر حتى يلقي كل طائر برأسه
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»