تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٢ - الصفحة ٢٤٥
فطار أرميا حتى خالط الوحوش، ودخل بخت نصر وجنوده بيت المقدس ووطىء الشام وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم وخرب بيت المقدس، ثم أمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه ترابا ثم يقذفه في بيت المقدس فقذفوا فيه التراب حتى ملاؤه، ثم أمرهم أن يجمعوا من كان في بلدان بيت المقدس كلهم فاجتمع عنده كل صغير وكبير من بني إسرائيل واختار منهم مائة ألف صبي فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه فأصاب كل رجل منهم أربعة أغلمة، وفرق بخت نصر من بقي من بني إسرائيل ثلاث فرق: فثلثا أقر بالشام، وثلثا أسر، وثلثا قتل، فكانت هذه الواقعة الأولى التي أنزلها الله ببني إسرائيل بظلمهم.
فلما ولى بخت نصر عنهم راجعا إلى بابل ومعه سبايا بني إسرائيل، أقبل أرميا على حمار له معه عصير عنب في زكرة وسلة تين حتى أتى إيليا فلما وقف عليها ورأى خرابها قال: " * (أنى يحيي هذه الله بعد موتها) *)؟
وقال الذين قالوا إن هذا المار كان عزيرا: إن بخت نصر لما خرب بيت المقدس وأقدم بسبي بني إسرائيل إلى أرض بابل كان فيهم عزير وكان من علماء بني إسرائيل، ودانيال وسبعة آلاف من أهل بيت داود.
فلما نجا عزير من بابل ارتحل على حمار حتى نزل على دير هرقل على شط دجلة، فطاف في القرية فلم ير فيها أحد وعلم بخبرها، فأكل من الفاكهة وعصر من العنب فشرب منه وجعل فضل الفاكهة في سلة وفضل العصير في زق فلما رأى خراب القرية وهلاك أهلها قال: " * (أنى يحيي هذه الله بعد موتها) *). لم يشك في البعث ولكن قالها تعجبا.
رجعنا إلى حديث وهب: قال: ربط أرميا حماره بحبل جديد فألقى الله عليه النوم، فلما نام نزع منه الروح مائة سنة وأمات حماره، وعصيره وتينه عنده، وأعمى الله عنه العيون فلم يره أحد وذلك ضحى، ومنع الله السباع والطير لحمه. فلما مضى من موته سبعون سنة أرسل الله عز وجل ملكا إلى ملك من بني إسرائيل عظيم يقال له: (يوسك) فقال: إن الله عز وجل يأمرك أن تنفر قومك فتعمر بيت المقدس وإيليا وأرضها حتى تعود أعمر ما كان، فانتدب الملك ألف قهرمان مع كل قهرمان ثلاثمائة ألف عامل وجعلوا يعمرونها، وأهلك الله تعالى بخت نصر ببعوضة دخلت دماغه (...) الله تعالى من بقي من بني إسرائيل ولم يمت ببابل وردهم جميعا إلى بيت المقدس ونواحيه، فعمروه ثلاثين سنة وكثروا حتى صاروا كأحسن ما كانوا عليه، فلما مضت المائة أحيا الله تعالى منه عينيه وسائر جسده ميت، ثم أحيا جسده وهو ينظر، ثم نظر إلى حماره وإذا عظامه متفرقة بيض تلوح، فسمع صوتا من السماء: أيها العظام البالية إن الله يأمرك
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»