تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٢ - الصفحة ٢٥٩
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (بارك الله لك في ما أمسكت وفيما أعطيت). فأما عثمان فقال: علي جهاز من لا جهاز له في غزوة تبوك، فجهز المسلمين ألف بعير بأحلاسها وأقتابها وتصدق برومة ركية كانت له على المسلمين فنزلت فيهما هذه الآية.
قال عبد الرحمن بن سمرة: جاء عثمان (رضي الله عنه) بألف دينار في جيش العسرة فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يدخل يده فيها ويقبلها ويقول: (ماضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم).
قال أبو سعيد الخدري: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رافعا يده يدعو لعثمان (رضي الله عنه) (يا رب عثمان بن عفان رضيت عنه فأرض عنه) وما زال يدعو رافعا يديه حتى طلع الفجر فأنزل الله تعالى فيه " * (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) *) أي في طاعة الله.
" * (ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا) *) وهو أن يمن عليه بعطائه ويعد نعمه عليه يكدرها يواصل المنة النعمة.
يقال: من يمن منة ومنا ومنيتا إذا أنعم وأعطى. قال الله تعالى: " * (هذا عطاءنا فأمنن) *) أي إعط ثم كثر ذلك حتى صار ذكر النعمة والاعتداد بها منة.
" * (ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزون) *) بإظهار العطية وذكرها لمن لا يجب وقوفه عليها وما أشبه ذلك من القول الذي يؤديه.
قال سفيان والمفضل في قوله: " * (منا ولا أذى) *): هو أن يقول أعطيتك فما شكرت.
قال الضحاك: أن لا ينفق الرجل ماله خير من أن ينفقه ثم يتبعه منا وأذى.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: كان أبي يقول: إذا أعطيت رجلا شيئا وظننت أن سلامك يثقل عليه، فكف سلامك عنه.
قال ابن زيد: فشئ خير من السلام؟
قال: وقالت امرأة لأبي: يا أبا أسامة تدلني على رجل يخرج في سبيل الله حقا فإنهم لا يخرجون إلا ليأكلوا الفواكه، فعندي جعبة وأسهم فيها فقال: الله لا بارك الله لك في جعبتك ولا في أسهمك فقد أذيتهم قبل أن تعطيهم.
فحظر الله عن عباده المن بالصنيعة وأختص به صفتا لنفسه؛ لأن من العباد تعيير وتكدير
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»