" * (قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها) *) وكان السبب في ذلك على ما روى محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه: إن الله سبحانه وتعالى قال لأرميا ج حين بعثه نبيا إلى بني إسرائيل: يا أرميا من قبل أن خلقتك اخترتك، ومن قبل أن أصورك في رحم أمك قدستك، ومن قبل أن تبلغ السعي نبأتك ولأمر عظيم أحببتك. فبعث الله أرميا إلى ناشئة بن أموص ملك بني إسرائيل ليسدده ويأتيه بالخبر من الله تعالى، فعظمت الأحداث في بني إسرائيل فركبوا المعاصي واستحلوا المحارم، فأوحى الله تعالى إلى أرميا أن ذكر قومك نعمي وعرفهم أحداثهم فادعهم إلي.
فقال أرميا: إني ضعيف إن لم تقوني عاجز إن لم تنصرني.
فقال الله تعالى: أنا ألهمك، فقام أرميا فيهم ولم يدر ما يقول، فألهمه الله عز وجل في الوقت خطبة بليغة طويلة بين لهم فيها ثواب الطاعة وعقاب المعصية.
وقال في آخرها: وإني أنا الله بعزتي لأقضين لهم فتنة يتحير فيها الحليم ولأسلطن عليهم جبارا قاسيا ألبسه الهيبة وأنزع من قلبه الرحمة يتبعه عدد مثل سواد الليل المظلم.
فأوحى الله تعالى إلى أرميا: إني مهلك بني إسرائيل بيافث ويافث، أهل بابل وهم من ولد يافث بن نوح، فلما سمع ذلك أرميا صاح وبكى وشق ثيابه ونبذ الرماد على رأسه فلما سمع الله تضرع أرميا وهو الخضرج وبكاه ناداه: يا أرميا أشق عليك ما أوحيت إليك؟
قال: نعم يا رب، أهلكني قبل أن أرى في بني إسرائيل ما لا أسر به.
فقال الله عز وجل: وعزتي لا أهلك بني إسرائيل حتى يكون الأمر في ذلك من قبلك، ففرح بذلك أرميا وطابت نفسه، وقال: والذي بعث موسى بالحق لا أرضى بهلاك بني إسرائيل، ثم أتى الملك فأخبره بذلك وكان ملكا صالحا فاستبشر وفرح وقال: إن يعذبنا ربنا فبذنوب كثيرة لنا وإن عفا عنا فبرحمته.
ثم إنهم لبثوا بعد الوحي ثلاث سنين لم يزدادوا إلا معصية وتماديا في الشر وذلك حين اقترب هلاكهم، فقل الوحي ودعاهم الملك إلى التوبة فلم يفعلوا، فسلط الله عليهم بخت نصر فخرج في ستمائة ألف راية تريد أهل بيت المقدس، فلما فصل سائرا أتى الخبر الملك فقال لأرميا: أين مازعمت أن الله أوحى إليك؟
فقال أرميا: إن الله لا يخلف الميعاد وأنا به واثق.
فلما قرب الأجل وعزم الله تعالى على هلاكهم، بعث الله إلى أمريا ملكا قد تمثل له رجلا من بني إسرائيل