تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ١ - الصفحة ١٣٧
وقال عبد العزيز بن يحيى: معنى هذه الحروف أن الله ذكرها فقال: اسمعوها مقطعة حتى إذا وردت عليكم مؤلفة كنتم قد عرفتموها قبل ذلك وكذلك تعلم الصبيان أولا مقطعة وكان الله أسمعهم مقطعة مفردة ليعرفوها إذا وردت عليهم ثم أسمعهم مؤلفة.
وقال أبو روق: إنها تكتب للكفار وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقراءة في الصلوات كلها وكان المشركون يقولون: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون.
فربما صفقوا وربما صفروا وربما لفظوا ليغلطوا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى رسول الله ذلك أسر في الظهر والعصر وجهر في سائرها وكانوا يضايقونه ويؤذونه فأنزل الله تعالى هذه الحروف المقطعة فلما سمعوها بقوا متحيرين متفكرين فاشتغلوا بذلك عن إيذائه وتغليطه فكان ذلك سببا لاستماعهم وطريقا إلى انتفاعهم.
وقال الأخفش: إنما أقسم الله بالحروف المعجمة لشرفها وفضلها ولأنها مباني كتبه المنزلة بالألسن المختلفة ومباني أسمائه الحسنى وصفاته العليا وأصول كلام الأمم بما يتعارفون ويذكرون الله ويوحدونه وكأنه أقسم بهذه الحروف إن القرآن كتابه وكلامه لا ريب فيه.
وقال النقيب: هي النبهة والاستئناف ليعلم أن الكلام الأول قد انقطع كقولك: ولا إن زيدا ذهب.
وأحسن الأقاويل فيه وأمتنها أنها إظهار لإعجاز القرآن وصدق محمد صلى الله عليه وسلم وذلك أن كل حرف من هذه الحروف الثمانية والعشرين.
والعرب تعبر ببعض الشيء عن كله كقوله تعالى: * (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) * أي صلوا لا يصلون وقوله: * (واسجد واقترب) فعبر بالركوع والسجود عن الصلاة إذ كانا من أركانها وقال: * (ذلك بما قدمت أيديكم) * أراد جميع أبدانكم.
وقال: * (سنسمه على الخرطوم) * أي الأنف فعبر باليد عن الجسد وبالأنف عن الوجه.
وقال الشاعر في امرأته:
* لما رأيت امرها في خطي * وفنكت في كذب ولط * * أخذت منها بقرون شمط * فلم يزل ضربي بها ومعطي) *
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»