فإن كل ما تسكن إليه ستهرب منه عن قلبك ألا تراه قال: فأوجس في نفسه خيفة.
قال الحسين: عدد موسى منافع العصا على ربه وسكونه إليها وانتفاعه بها فقال:
* (ألقها يا موسى) * أي: ألق من نفسك السكون إلى منافعها، ومن قلبه حبه ليزول عنه بالفرار منه، خذها ولا تخف وراجع إلينا. وقيل: إن الحكمة في انقلاب العصا حية في وقت الكلام أنه جعلها آيته ومعجزته ولو ألقاها بين يدي فرعون، ولم يشاهد منه قبل ذلك ما شهد لهرب منه كما هرب فرعون حين بدهته رؤيته.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت جعفر بن نصير يقول سمعت الجنيد يقول: في قوله: * (وما تلك بيمينك يا موسى) * قال: انفرد الحق بعلم الغيوب، فالخلق من الأشياء ظواهرها، وله الحقائق منها، وكان عند موسى أنها عصا فقط فذكر كل ما يعلم من علمها فأراه الله فيها ما تفرد به وجعلها حية، والحكمة فيه أنه لو لم يره فيها من الآيات لراعه في وقت الانقلاب فأراه ذلك ليلا يفزع ولا يجزع فلما رآها حية تهتز كأنها جان ولى مدبرا أي. ولى ظهره إليه وأقبل على ربه، ولم يعقب فقيل: له أقبل عليها ولا تخف أن يقطعك النظر إليها عني.
قوله تعالى: * (قال هي عصاي أتوكؤ عليها) * [الآية: 18].
قال فارس: ذكر كلما فيها من وجوه المنافع ليلا تكون له معاودة إلى ذلك فيستلذ بخطاب سيده وعتابه.
قال أبو بكر الوراق: قوله: * (عصاي) * جواب والذي بعده ذكر ما أنعم الله عليه بالعصا من المافع فكان بعد قوله: * (عصاي) * لسان الشكر.
قال ابن عطاء: في قوله: * (عصاي) * إضافة بالملك إلى نفسه ولم يكن له بواجب في الحقيقة أن يرى لنفسه ملكا وهو بين يدي الحق فلما أضافها إلى نفسه قال: ألقها فألقاها فإذا هي حية تسعى. قال خذها: أي خذ عصاك ولا تهرب مما ادعيت الملك فيه لنفسك فخاف، وتبرأ من إضافتها ملكا إلى نفسه فتعطف الحق عليه فقال: * (خذها ولا تخف) * فإنها لن تضرك.
قوله تعالى: * (ولي فيها مآرب أخرى) * [الآية: 18].
قال ابن عطاء: سرائر مغيبة عني في العصا. غطيتها على تبدوا لي ذلك فإن تكشفه لي من الآيات والكرامات.