الدنيا، فلم يتفرغوا من ذلك إلى اهتمام الدين، ولهم عذاب أليم باشتغالهم بما يغني عما يبقى.
وقال الجنيد رحمه الله: علل القلب من اتباع الهوى، كما أن علة الجوارح من مرض البدن.
قوله تعالى: * (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض) * الآية.
باتباع الهوى مصلحون زين لهم سوء أعمالهم فرأوها حسنا، ألا إنهم هم المفسدون بعصيان الناصحين لهم، ولكن لا يشعرون لأنهم محجوبون عن طرق الإنابة والهداية.
قوله تعالى * (إنما نحن مصلحون) * قيل من أظهر الدعوى كذب، ألا ترى الله يقول:
* (ألا إنهم هم المفسدون) *.
قوله تعالى: * (الله يستهزئ بهم) * أي: يحسن في أعينهم قبائح أفعالهم.
قوله تعالى: * (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) * الآية.
قال أبو الحسن الوراق: هذا مثل ضربه الله عز وجل لمن لم تصح له أحوال الإرادة بدءا فارتقى من تلك الأحوال بالدعاوى إلى أحوال الأكابر من يضيء عليه أحوال إرادته لو صححتها بملازمة آدابها، فلما مزجها بالدعاوى أذهب الله عنه تلك الأنوار وبقي في ظلمات دعاويه لا يبصر طريق الخروج منها.
قال الحسن: * (إذا أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا) *.
قال: إذا أضاء لهم مرادهم من الدنيا والدين ألقوه، وإذا أظلم عليهم من خلاف معقولهم قاموا مجهولين.
قوله تعالى: * (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) *.
قال بعضهم: وحدوا ربكم.
وقال بعضهم: أخلصوا عبادة ربكم من غير اتخاذ الشريك فيه، فتوصلكم الوحدانية والإخلاص إلى التقوى.
قوله تعالى: * (الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء) *.
أعلمكم في هذه الآية سبيل الفقر بأن يجعل الأرض وطئا والسماء غطاء والماء طيبا والكلأ طعاما ولا تعبد أحدا من الخلق بسبب الدنيا، فإن الله قد أباح لك ما لا بد لك