جواز إعطاء قيمتها ليكون مخيرا بين أن يعطي حنطة أو يطعم أو يكسوا أو يعطي دراهم قيمة عن الحنطة أو عن الثياب، فيكون موسعا في العدول عن الأرفع إلى الأوكس إن تفاوت القيمتان، أو عن الأوكس إلى الأرفع، أو يعطي أي المذكورين بأعيانهما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ومن وجبت في إبله بنت لبون فلم توجد أخذ منه بنت مخاض وشاتان أو عشرون درهما " فخيره في ذلك، وهو يقدر على أن يشتري بنت لبون وهي الفرض المذكور، وكما جعل الدية مائة من الإبل واتفقت الأمة على أنها من الدراهم والدنانير أيضا قيمة للإبل على اختلافهم فيها، وكمن تزوج امرأة على عبد وسط فإن جاء به بعينه قبل منه وإن جاء بقيمته قبلت منه أيضا. ولم يبطل جواز أخذ القيمة في هذه المواضع حكم التسمية لغيرها، فكذلك ما وصفنا، ألا ترى أنه خيره بين الكسوة والطعام والعتق؟
فالقيمة مثل أحد هذه الأشياء وهو مخير بينها وبين المذكور وإن كانت قد تختلف في الطعام والكسوة لأن في عدوله إلى الأرفع زيادة فضيلة وفي اقتصاره على الأوكس رخصة وأيهما فعل فهو المفروض، وهذا مثل ما نقول في القراءة في الصلاة إن المفروض منها مقدار آية، فإن أطال القراءة كان الجميع هو المفروض والمفروض من الركوع هو الجزء الذي يسمى به راكعا، فإن أطال كان الفرض جميع المفعول منه، ألا ترى أنه لو أطال الركوع كان مدركه في آخر الركوع مدركا لركعته؟ وكذلك لا يمتنع أن يكون المفروض من الكفارة قيمة الأوكس من الطعام أو الكسوة، فإن عدل إلى قيمة الأرفع كان هو المفروض أيضا.
مطلب: في مقدار الكسوة في الكفارة وقد اختلف في مقدار الكسوة، فقال أصحابنا: " الكسوة في كفارة اليمين لكل مسكين ثوب إزار أو رداء أو قميص أو قباء أو كساء ". وروى ابن سماعة عن محمد أن السراويل تجزي، وأنه لو حلف لا يشتري ثوبا فاشترى سراويل حنث إذا كان سراويل الرجال. وروى هشام عن محمد أنه لا يجزي السراويل ولا العمامة، وكذلك روى بشر عن أبي يوسف. وقال مالك والليث: " إن كسا الرجل كسا ثوبا وللمرأة ثوبين درعا وخمارا، وذلك أدنى ما تجزي فيه الصلاة، ولا يجزي ثوب واحد للمرأة ولا تجزي العمامة ". وقال الثوري: " تجزي العمامة ". وقال الشافعي: " تجزي العمامة والسراويل والمقنعة ". قال أبو بكر: روي عن عمران بن حصين وإبراهيم والحسن ومجاهد وطاوس والزهري: " ثوب لكل مسكين ". قال أبو بكر: ظاهره يقتضي ما يسمى به الانسان مكتسيا إذا لبسه، ولابس السراويل ليس عليه غيره أو العمامة ليس عليه غيرها لا يسمى مكتسيا كلابس القلنسوة، فالواجب أن لا يجزي السراويل والعمامة ولا الخمار لأنه مع لبسه