الخالية، الذين عذبوا في الدنيا، يعنى قوم هود وغيرهم، * (وتبين لكم كيف فعلنا بهم) *، يقول: كيف عذبناهم، * (وضربنا لكم الأمثال) * [آية: 45]، يعنى ووصفنا لكم الأشياء، يقول: وبينا لكم العذاب لتوحدوا ربكم عز وجل، يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية؛ لئلا يكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
ثم أخبر عن فعل نمروذ بن كنعان الجبار، فقال: * (وقد مكروا مكرهم) *، يقول:
فعلهم، يعنى التابوت فيها الرجلان اللذان كانا في التابوت، والنسور الأربعة، * (وعند الله مكرهم) *، يقول: عند الله مكرهم، يعنى فعلهم، * (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) * [آية: 46]، نظيرها في بني إسرائيل: * (وإن كادوا ليفتنونك) * [الإسراء: 73]، يعنى وقد كادوا، وقد كان نمروذ بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه، وهو أول من ملك الأرض كلها، وذلك أنه بنى صرحا ببابل زعم ليتناول إله السماء، فخر عليهم السقف، وهو البناء من فوقهم..
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن ابن إسحاق، عن عبد الرحمن بن دانيال، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في قوله سبحانه:
* (وإن كان مكرهم) *، قال: أمر نمروذ بن كنعان عدو الله، فنحت التابوت، وجعل له بابا من أعلاه، وبابا من أسفله، ثم صعد إلى أربع نسور، ثم أوثق كل نسر بقائمة التابوت، ثم جعل في أعلى التابوت لحما شديد الحمرة، في أربعة نواحي التابوت حيال النسور، ثم جعل رجلين في التابوت، فنهضت النسور تريد اللحم، فارتفع التابوت إلى السماء، فلما ارتفع ما شاء الله، قال أحد الرجلين لصاحبه: فاتح باب التابوت الأسفل فانظر كيف ترى الأرض؟ ففتح فنظر، قال: أراها كالعروة البيضاء.
ثم قال له: افتح الباب الأعلى، فانظر إلى السماء، هل ازددنا منها قربا؟ قال: ففتح الباب الأعلى، فإذا هي كهيئتها، وارتفعت النسور تريد اللحم، فلما ارتفعا جدا، لم تدعهما الريح أن يصعدا، فقال أحدهما لصاحبه: افتح الباب الأسفل فانظر كيف ترى الأرض؟ قال: ففتح، قال: إنها سوداء ظلمة، ولا أرى منها شيئا، قال: أردد الباب الأسفل، وافتح الباب الأعلى، فانظر إلى السماء، هل ازددنا منها قربا؟ ففتح الباب الأعلى، فقال: أراها كهيئتها.
قال لصاحبه: نكس التابوت، فنكسه فتصوب اللحم، وصارت النسور فوق التابوت