هناك نقاش بين المفسرين حول نوع العذاب المقصود هنا، وهل هو نوع من أنواع العذاب الذي يقع في الدنيا أو في الآخرة، أم المقصود به هو عذاب " الإستيصال " الذي يعني العذاب الشامل المدمر كطوفان نوح مثلا؟
إن ظاهر الآية الكريمة يدل على الإطلاق، وهو بالتالي يشمل كل أنواع العذاب.
وهناك نقاش آخر - أيضا - بين المفسرين حول قاعدة وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وهل أن الحكم فيها يخص المسائل الشرعية التي يعتمد فهمها على الأدلة النقلية فقط، أو أنه يشمل جميع المسائل العقلية والنقلية في الأصول والفروع؟
في الواقع، إذا أردنا العمل بظاهر الآية الذي يفيد الإطلاق، فينبغي القول أنها تشمل جميع الأحكام العقلية والنقلية، سواء ارتبطت بأصول أو فروع الدين.
ومفهوم هذا الكلام أنه حتى في المسائل العقلية البحتة التي يقطع " العقل المستقل " بحسنها وقبحها مثل حسن العدل وقبح الظلم، فإنه ما لم يأت الأنبياء، ويؤيدون حكم العقل بحكم النقل، فإن الله تبارك وتعالى لا يجازي أحدا بالعذاب. للطفه ورحمته بالعباد.
ولكن هذا الموضوع مستبعد وضعيف الاحتمال، لأنه يصطدم مع قاعدة أن المستقلات العقلية لا تحتاج إلى بيان الشرع، وحكم العقل في إتمام الحجة في هذه الموارد يعتبر كافيا ومجزيا، لذلك فلا طريق أمامنا إلا أن نستثني المستقلات العقلية عن مجال عمل القاعدة المذكورة.
وإذا لم نستثن ذلك فسيكون معنى العذاب في هذه الآية هو " عذاب الإستيصال " وسيكون المفاد الأخير للمعنى هو أن الله سبحانه وتعالى لرحمته ولطفه بالعباد لا يهلك الظالمين والمنحرفين إلا بعد أن يبعث الأنبياء، وتستبين جميع طرق السعادة والهداية، حتى تطابق حجة الشرع حجة العقل المستقل، وتتم الحجة بذلك من طريقي العقل والنقل (فتأمل ذلك).