إن تقييد " الموعظة " بقيد " الحسنة " لعله إشارة إلى أن النصيحة والموعظة إنما تؤدي فعلها على الطرف المقابل إذا خليت من أية خشونة أو استعلاء وتحقير التي تثير فيه حس العناد واللجاجة وما شابه ذلك.
فكم من موعظة أعطت عكس ما كان يؤمل بها بسبب أسلوب طرحها الذي يشعر الطرف المقابل بالحقارة والإهانة كأن تكون الموعظة امام الآخرين ومقرونة بالتحقير، أو يستشم منها رائحة الاستعلاء في الواعظ، فتأخذ الطرف المقابل العزة بالإثم ولا يتجاوب مع تلك الموعظة.
وهكذا يترتب الأثر الإيجابي العميق للموعظة إذا كانت " حسنة ".
3 - وجادلهم بالتي هي أحسن.
الخطوة الثالثة تختص بتخلية أذهان الطرف المخالف من الشبهات العالقة فيه والأفكار المغلوطة ليكون مستعدا لتلقي الحق عند المناظرة.
وبديهي أن تكون المجادلة والمناظرة ذات جدوى إذا كانت بالتي هي أحسن، أي أن يحكمها الحق والعدل والصحة والأمانة والصدق، وتكون خالية من أية إهانة أو تحقير أو تكبر أو مغالطة، وبعبارة شاملة: أن تحافظ على كل الأبعاد الإنسانية السليمة عند المناظرة.
وفي ذيل الآية الأولى، يقول القرآن: إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين.
فالآية تشير إلى أن وظيفتكم هي الدعوة إلى طريق الحق بالطرق الثلاثة المتقدمة، أما مسألة من الذي سيهتدي ومن سيبقى على ضلاله، فعلم ذلك عند الله وحده سبحانه.
وثمة احتمال آخر في مقصود هذه الجملة وهو بيان دليل للتوجيهات الثلاث المتقدمة، أي: إنما أمر سبحانه بهذه الأوامر الثلاثة لأنه يعلم الكيفية التي تؤثر بالضالين لأجل توجيههم وهدايتهم.