4 - انصب الحديث في الأصول الثلاثة حول البحث المنطقي والأسلوب العاطفي والمناقشة المعقولة مع المخالفين، وإذا حصلت المواجهة معهم ولم يتقبلوا الحق وراحوا يعتدون، فهنا يأتي الأصل الرابع: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به.
5 - ولئن صبرتم لهو خير للصابرين:
وتقول الروايات: إن الآية نزلت في معركة (أحد) عندما شاهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شهادة عمه حمزة بن عبد المطلب المؤلمة (حيث لم يكتف العدو بقتله بل شق صدره بوحشية وقساوة فظيعة وأخرج كبده أو قلبه وقطع أذنه وأنفه) وتأذى النبي لذلك كثيرا وقال: " اللهم لك الحمد وإليك وأنت المستعان على ما أرى " ثم قال: " لئن ظفرت لأمثلن ولأمثلن ولأمثلن " وعلى رواية أخرى أنه قال: " لأمثلن بسبعين منهم " فنزلت الآية: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أصبر أصبر " (1).
ربما كانت تلك اللحظة من أشد لحظات حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكنه تمالك زمام أمور نفسه واختار الطريق الثاني، طريق العفو والصبر.
ويحكي لنا التأريخ ما قام به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حين فتح مكة، فما أن وطأت أقدام المسلمين المنتصرة أرض مكة حتى أصدر نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله وسلم) العفو العام عن أولئك الجفاة، فوفى بوعده الذي قطعه على نفسه في معركة أحد (2).
وحري بالإنسان إذا أراد أن ينظر إلى أعلى نموذج حي في العواطف الإنسانية، أن يضع قصتي أحد وفتح مكة نصب عينيه ليقارن ويربط بينهما.
ولعل التأريخ لا يشهد لأية أمة منتصرة عوملت بمثل ما عامل به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)