الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٣٦٦
5 - وختمت عطايا الله عز وجل لإبراهيم (عليه السلام) لما ظهر منه من صفات متكاملة بأن جعل دينه عاما وشاملا لكل ما سيأتي بعده من زمان - وخصوصا للمسلمين - ولم يجعل دينه مختصا بعصر أهل زمانه، فقال الله عز وجل: ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا (1).
ويأتي التأكيد مرة أخرى: وما كان من المشركين.
وبملاحظة الآيات السابقة يبدو لنا هذا السؤال: إن كان دين الإسلام هو نفس دين إبراهيم وأن المسلمين يتبعون سنن إبراهيم (عليه السلام) في كثير من المسائل ومنها احترام يوم الجمعة، فلماذا اتخذ اليهود يوم السبت عيدا لهم بدلا من الجمعة ويعطلون فيه أعمالهم؟
إن آخر آية من الآيات مورد البحث تجيب على السؤال المذكور حين تقول:
إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه أي أن السبت وما حرم في السبت كان عقوبة لليهود، وقد اختلفوا فيه أيضا، فمنهم من قبله ومنهم من أهمله.
وتقول بعض الروايات: أن موسى (عليه السلام) دعا قومه بني إسرائيل لاحترام يوم الجمعة وتعطيل أعمالهم فيه، وهو دين إبراهيم (عليه السلام)، إلا إنهم تعللوا، واختاروا يوم السبت، فجعله الله عطلة لهم ولكن بضيق وشدة، ولهذا لا ينبغي الاعتماد على تعطيل يوم السبت، لأنه إنما كان استثنائيا وذا طابع جزائي، وأفضل دليل على هذا الأمر أن اليهود أنفسهم اختلفوا في يومهم المنتخب هذا، فبعض احترمه وبعض آخر خالف ذلك وأدام العمل والكسب فيه حتى أصابهم عذاب الله.
وثمة احتمال آخر أن تكون إشارة الآية مرتبطة ببدع المشركين في موضوع الأغذية الحيوانية، لأن الآيات السابقة تطرقت لذلك من خلال إجابتها على

1 - " الحنيف ": بمعنى الذي يترك الانحراف ويتجه إلى الاستقامة والصلاح، وبعبارة أخرى، يغض نظره عن الأديان والأوضاع المنحرفة ويتوجه نحو صراط الله المستقيم، الدين الموافق للفطرة، ولهذا يسمى الصراط المستقيم، فالتعبير بالحنيف يحمل بين طياته إشارة خفية إلى أن التوحيد هو دين الفطرة.
(٣٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 ... » »»