استطاعوا، ناهيك عن عدد الآيات؟!
وإن كانوا يقصدون أن المحتوى القرآني هو من معلم أجنبي.. فرد ذلك أهون من الأول وأيسر، إذ أن المحتوى القرآني قد صب في قالب كل عباراته وألفاظه من القوة بحيث خضع لبلاغته وإعجازه جميع فطاحل فصحاء العرب، وهذا ما يرشدنا لكون الواضع يملك من القدرة على البيان ما تعلو وقدرة وملكة أي إنسان، وليس لذلك أهلا سوى الله عز وجل وسبحانه عما يشركون.
وبنظرة تأملية فاحصة نجد في محتوى القرآن أنه يمتلك المنطق الفلسفي العميق في إثبات عقائده، وكذا الحال بالنسبة لتعاليمه الأخلاقية في تربية روح الإنسان وقوانينه الاجتماعية المتكاملة، وأن كل ما في القرآن هو فرق طاقة المستوى الفكري البشري حقا.. ويبدو لنا أن مطلقي الافتراءات المذكورة هم أنفسهم لا يعتقدون بما يقولون، ولكنها شيطنة ووسوسة يدخلونها في نفوس البسطاء من الناس ليس إلا.
والحقيقة أن المشركين لم يجدوا من بينهم من ينسبون إليه القرآن، ولهذا حاولوا اختلاق شخص مجهول لا يعرف الناس عنه شيئا ونسبوا إليه القرآن، عسى بفعلهم هذا أن يتمكنوا من استغفال أكبر قدر ممكن من البسطاء.
أضف إلى ذلك كله أن تاريخ حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يسجل له اتصالات دائمة مع هذه النوعيات من البشر، وإن كان (على سبيل الفرض) صاحب القرآن موجودا ألا يستلزم ذلك اتصال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) به وباستمرار؟ إنهم حاولوا التشبث لا أكثر، وكما قيل: (الغريق يتشبث بكل حشيش).
إن نزول القرآن في البيئة الجاهلية وتفوقه الإعجازي أمر واضح، ولم يتوقف تفوقه حتى في عصرنا الحاضر حيث التقدم الذي حصل في مختلف مجالات التمدن الإنساني، والتأليفات المتعمقة التي عكست مدى قوة الفكر البشري المعاصر.