ومنها تأكلون بعد ذكر كلمة " المنافع "، وأقل ما يستنتج من الآية اعتبارها لأهمية الألبان أكثر بكثير من اللحوم.
ولم يكتف بذكر منافعها المادية، بل أشار إلى المنافع النفسية والمعنوية كذلك حين قال: ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون.
" تريحون ": (من مادة الإراحة) بمعنى إرجاع الحيوانات عند الغروب إلى محل استراحتها، ولهذا يطلق على ذلك المحل اسم (المراح).
و " تسرحون ": (من مادة السروح) بمعنى خروج الحيوانات صباحا إلى مراعيها.
عبر القرآن بكلمة " جمال " عن تلك الحركة الجماعية للأنعام حين تسرع إلى مراعيها وتعود إلى مراحها، لما لها من جمال ورونق خاص يغبط الإنسان، والمعبر عن حقيقة راسخة في عمق المجتمع.
فحركة الإبل إضافة إلى روعتها فإنها تطمئن المجتمع بأن ما تحتاجه من مستلزمات حياتك ها هو يسير بين عينيك، فتمتع به وخذ منه ما تحتاجه، ولا داعي لأن ترتبط بهذا أو ذاك فستضعف، وكأنها تخاطبه: فأنت مكتف ذاتيا بواسطتي.
ف " الجمال " جمال استغناء واكتفاء ذاتي، وجمال إنتاج وتأمين متطلبات أمة كاملة، وبعبارة أوضح: جمال الاستقلال الاقتصادي وقطع كل تبعية للغير!
والحقيقة التي يدركها القرويون وأبناء الريف أكثر من غيرهم، هي ما تعطيه حركة تلك الأنعام من راحة نفسية للإنسان، راحة الإحساس بعدم الحاجة والإستغناء، راحة تأدية إحدى الوظائف الاجتماعية الهامة.
ومن لطيف الإشارة أن بدأت الآية أعلاه بذكر عودة الأنعام إلى مراحها، حيث الملاحظ عليها في هذه الحال أثديتها ملأى باللبن، بطونها ممتلئة، يشاهد على وجوهها علائم الرضا والارتياح ولا يرى فيها ذلك الحرص والولع والعجلة