خلقه واستقامة وجوده من صباه إلى شبابه إلى كماله فيتمتع بكمال الصورة وجمال الهيئة وشدة القوة، فلم يزل على تلك الحال حتى يواجه بالنزول أي رده إلى الهرم والشيخوخة والكهولة فتأخذ قواه الظاهرة والباطنة بالضعف، وتنكس خلقته، قال سبحانه: ﴿ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون﴾ (١) لكن هذا التفسير لا يناسبه الاستثناء الوارد بعده قال سبحانه: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون) أي غير مقطوع.
فلو كان المراد من الآية ما جرت عليه سنة الله تعالى في خلق الانسان فهي سنة عامة تعم المؤمن والكافر والصالح والطالح، مع أنه يستثني المؤمن الصالح من تلك الضابطة.
فالأولى تفسير الآيتين بالتقويم المعنوي، ورده إلى أسفل سافلين هو انحطاطه إلى الشقاء والخسران بأن يقال: ان التقويم جعل الشئ ذا قوام، وقوام الشئ ما يقوم به ويثبت، فالانسان بما هو إنسان صالح حسب الخلقة للعروج إلى الرفيق الأعلى، والفوز بحياة خالدة عند ربه سعيدة لا شقوة فيها، قال سبحانه:
﴿ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها﴾ (٢) فإذا آمن بما علم ومارس صالح الأعمال رفعه الله إليه، كما قال: ﴿إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه﴾ (٣) يس، وقال عز اسمه:
﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾ (4)، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ارتفاع مقام الانسان وارتقائه بالايمان والعمل الصالح مقاما عاليا ذا عطاء من الله غير مجذوذ، وقد أشار في آخر