حلف بالقمر عند اتساقه واكتماله في الليالي الأربع لما فيه من روعة وجمال، ولذلك يشبه الجميل بالقمر، مضافا إلى نوره الهادي الرقيق الذي يغطي سطح الأرض. وهو من الرقة واللطافة بمكان لا يكسر ظلمة الليل وفي الوقت نفسه ينير الطرق والصحاري.
فهذه أقسام أربعة بينها ترتب خاص، فان الشفق أول الليل يطلع بعده القمر في حالة البدر، فهذه الموضوعات الأربع أمور كونية يقع كل بعد الآخر حاكية عن عظمة الخالق.
وأما المقسم عليه فهو قوله سبحانه: (لتركبن طبقا عن طبق) وهي إشارة إلى المراحل التي يمر بها الانسان في حياته وأوضحها هي الحياة الدنيوية ثم الموت ثم الحياة البرزخية ثم الانتقال إلى الآخرة ثم الحياة الأخروية ثم الحساب والجزاء.
وفي هذه الآية إلماع إلى ما تقدم في الآية السادسة من هذه السورة، أعني قوله سبحانه: (يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه). (1) والكدح بمعنى السعي والعناء يتضمن معنى السير.
فالآية تشير إلى أن الحياة البشرية تتزامن مع التعب والعناء، ولكن الغاية منها هو لقاء الله سبحانه، وكأن هذا الكدح باق إلى حصول الغاية، أي لقاء جزائه من ثواب وعقاب أو لقاء الله بالشهود.
وأما وجه الصلة وهو بيان ان الأشواط التي يمر بها الانسان أمور مترتبة متعاقبة كما هو الحال في المقسم به أعني الشفق الذي يعقبه الليل الدامس ويليه ظهور القمر.