ومطلق ما يسطرون به وهو المكتوب فإن القلم وما يسطر به من الكتابة من أعظم النعم الإلهية التي اهتدى إليها الانسان يتلو الكلام في ضبط الحوادث الغائبة عن الأنظار والمعاني المستكنة في الضمائر، وبه يتيسر للانسان أن يستحضر كل ما ضرب مرور الزمان أو بعد المكان دونه حجابا.
وقد أمتن الله سبحانه على الانسان بهدايته إليهما وتعليمهما له فقال في الكلام " خلق الانسان علمه البيان " الرحمان: 4، وقال في القلم: " علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم العلق: 5.
فإقسامه تعالى بالقلم وما يسطرون إقسام بالنعمة، وقد أقسم تعالى في كلامه بكثير من خلقه بما أنه رحمة ونعمة كالسماء والأرض والشمس والقمر والليل والنهار إلى غير ذلك حتى التين والزيتون.
وقيل: " ما " في قوله: " وما يسطرون " مصدرية والمراد به الكتابة.
وقيل: المراد بالقلم القلم الاعلى الذي في الحديث أنه أول ما خلق الله وبما يسطرون ما يسطره الحفظة والكرام الكاتبون واحتمل أيضا أن يكون الجمع في " يسطرون " للتعظيم لا للتكثير وهو كما ترى، واحتمل أن يكون المراد ما يسطرون فيه وهو اللوح المحفوظ واحتمل أن يكون المراد بالقلم وما يسطرون أصحاب القلم ومسطوراتهم وهي احتمالات واهية.
قوله تعالى: " ما أنت بنعمة ربك بمجنون " مقسم عليه والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والباء في " بنعمة " للسببية أو المصاحبة أي ما أنت بمجنون بسبب النعمة - أو مع النعمة - التي أنعمها عليك ربك.
والسياق يؤيد أن المراد بهذه النعمة النبوة فإن دليل النبوة يدفع عن النبي كل اختلال عقلي حتى تستقيم الهداية الإلهية اللازمة في نظام الحياة الانسانية، والآية ترد ما رموه به من الجنون كما يحكى عنهم في آخر السورة " ويقولون إنه لمجنون ".
وقيل: المراد بالنعمة فصاحته صلى الله عليه وآله وسلم وعقله الكامل وسيرته المرضية وبراءته من كل عيب واتصافه بكل مكرمة فظهور هذه الصفات فيه صلى الله عليه وآله وسلم ينافي حصول الجنون فيه وما قدمناه أقطع حجة والآية وما يتلوها كما ترى تعزية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطييب لنفسه الشريفة وتأييد له كما أن فيها تكذيبا لقولهم.