تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٠٣
ويغفر لكم والله شكور حليم - 17. عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم - 18.
(بيان) شروع فيما هو الغرض من السورة بعد ما مر من التمهيد والتوطئة وهو الندب إلى الانفاق في سبيل الله والصبر على ما يصيبهم من المصائب في خلال المجاهدة في الله سبحانه.
وقدم ذكر المصيبة والإشارة إلى الصبر عليها ليصفو المقام لما سيندب إليه من الانفاق وينقطع العذر.
قوله تعالى: " ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شئ عليم " المصيبة صفة شاع استعمالها في الحوادث السوء التي تصحب الضر، والاذن الاعلام بالرخصة وعدم المانع ويلازم علم الآذن بما أذن فيه، وليس هو العلم كما قيل.
فظهر بما تقدم أولا أن إذنه تعالى في عمل سبب من الأسباب هو التخلية بينه وبين مسببية برفع الموانع التي تتخلل بينه وبين مسببه فلا تدعه يفعل فيه ما يقتضيه بسببيته كالنار تقتضي إحراق القطن مثلا لولا الفصل بينهما والرطوبة فرفع الفصل بينهما والرطوبة من القطن مع العلم بذلك إذن في عمل النار في القطن بما تقتضيه ذاتها أعني الاحراق.
وقد كان استعمال الاذن في العرف العام مختصا بما إذا كان المأذون له من العقلاء لمكان أخذ معنى الاعلام في مفهومه فيقال: أذنت لفلان أن يفعل كذا ولا يقال: أذنت للنار أن تحرق، ولا أذنت للفرس أن يعدو، لكن القرآن الكريم يستعمله فيما يعم العقلاء وغيرهم بالتحليل كقوله: " وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله " النساء: 64، وقوله: " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه " الأعراف: 58، ولا يبعد أن يكون هذا التعميم مبنيا على ما يفيده القرآن من سريان العلم والادراك في الموجودات كما قدمناه في تفسير قوله: " قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ " حم السجدة: 21.
وكيف كان فلا يتم عمل من عامل ولا تأثير من مؤثر إلا بإذن من الله سبحانه فما كان من الأسباب غير تام له موانع لو تحققت منعت من تأثيره فإذنه تعالى له في أن يؤثر رفعه
(٣٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 ... » »»
الفهرست