تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٩٩
قوله تعالى: " زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير " ذكر ركن آخر من أركان كفر الوثنيين وهو إنكارهم الدين السماوي بإنكار المعاد إذ لا يبقى مع انتفاء المعاد أثر للدين المبني على الأمر والنهي والحساب والجزاء ويصلح تعليلا لانكار الرسالة إذ لا معنى حينئذ للتبليغ والوعيد.
والمراد بالذين كفروا عامة الوثنيين ومنهم من عاصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم كأهل مكة وما والاها، وقيل: المراد أهل مكة خاصة.
وقوله: " قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم " أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيب عن زعمهم أن لن يبعثوا، بإثبات ما نفوه بما في الكلام من أصناف التأكيد بالقسم واللام والنون.
و " ثم " في " ثم لتنبؤن " للتراخي بحسب رتبة الكلام، وفي الجملة إشارة إلى غاية البعث وهو الحساب وقوله: " وذلك على الله يسير " أي ما ذكر من البعث والانباء بالاعمال يسير عليه تعالى غير عسير، وفيه رد لإحالتهم أمر البعث على الله سبحانه استبعادا، وقد عبر عنه في موضع آخر من كلامه بمثل قوله: " وهو الذي يبدء الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه " الروم: 27.
والدليل عليه ما عده في صدر الآيات من أسمائه تعالى وصفاته من الخلق والملك والعلم وأنه مسبح محمود، ويجمع الجميع أنه الله المستجمع لجميع صفات الكمال.
ويظهر من هنا أن التصريح باسم الجلالة في الجملة أعني قوله: " وذلك على الله يسير " للايماء إلى التعليل، والمفاد أن ذلك يسير عليه تعالى لأنه الله، والكلام حجة برهانية لا دعوى مجردة.
وذكروا أن الآية ثالثة الآيات التي أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يقسم بربه على وقوع المعاد وهي ثلاث: إحداها قوله: " ويستنبؤنك أحق هو قل أي وربي " يونس: 53، والثانية قوله: " وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم " سبأ: 3، والثالثة الآية التي نحن فيها.
قوله تعالى: " فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير " تفريع على مضمون الآية السابقة أي إذا كنتم مبعوثين لا محالة منبئين بما عملتم وجب عليكم أن تؤمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزله على رسوله وهو القرآن الذي يهدي بنوره الساطع إلى مستقيم الصراط، ويبين شرائع الدين.
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»
الفهرست