تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٠٥
القلب وسكونه وعدم اضطرابه وقلقه من جهة تعلقه بالأسباب الظاهرية وإسناده المصائب والنوائب المرة إليها دون الله سبحانه.
وهذا معنى قوله تعالى: " ومن يؤمن بالله يهد قلبه ".
وقيل: معنى الجملة: ومن يؤمن بتوحيد الله ويصبر لأمر الله يهد قلبه للاسترجاع حتى يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وفيه إدخال الصبر في معنى الايمان.
وقيل: المعنى: ومن يؤمن بالله يهد قلبه إلى ما عليه أن يفعل فإن ابتلى صبر وإن أعطي شكر وإن ظلم غفر، وهذا الوجه قريب مما قدمناه.
وقوله: " والله بكل شئ عليم " تأكيد للاستثناء المتقدم، ويمكن أن يكون إشارة إلى ما يفيده قوله: " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها " الحديد: 22.
قوله تعالى: " وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين " ظاهر تكرار " أطيعوا " دون أن يقال: أطيعوا الله والرسول اختلاف المراد بالإطاعة، فالمراد بإطاعة الله تعالى الانقياد له فيما شرعه لهم من شرائع الدين والمراد بإطاعة الرسول الانقياد له وامتثال ما يأمر به بحسب ولايته للأمة على ما جعلها الله له.
وقوله: " فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين " التولي الاعراض، والبلاغ التبليغ، والمعنى: فإن أعرضتم عن إطاعة الله فيما شرع من الدين أو عن إطاعة الرسول فيما أمركم به بما أنه ولي أمركم، فلم يكرهكم رسولنا على الطاعة فإنه لم يؤمر بذلك، وإنما أمر بالتبليغ وقد بلغ.
ومن هنا يظهر أن أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما وراء الاحكام والشرائع من تبليغ رسالة الله فأمره ونهيه فيما توليه من أمر الله ونهيه، وطاعته فيهما من طاعة الله تعالى كما يدل عليه إطلاق قوله تعالى: " وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله " النساء: 64. الظاهر في أن طاعة الرسول فيما يأمر وينهى مطلقا مأذون فيه بإذن الله، وإذنه في طاعته يستلزم علمه ومشيته لطاعته، وإرادة طاعة الأمر والنهي إرادة لنفس الأمر والنهي فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونهيه من أمر الله ونهيه وإن كان فيما وراء الاحكام والشرائع المجعولة له تعالى.
ولما تقدم من رجوع طاعة الرسول إلى طاعة الله التفت من الغيبة إلى الخطاب في قوله:
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»
الفهرست