ثم استنتج من ذلك كله وجوب إيمانهم بالله ورسوله والدين الذي أنزله عليه وختم التمهيد المذكور بالتبشير والانذار بالإشارة إلى ما هيئ للمؤمنين الصالحين من جنة خالدة ولغيرهم من الكفار المكذبين من نار مؤبدة.
فقوله: " ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل " الخطاب للمشركين وفيه إشارة إلى قصص الأمم السالفة الهالكة كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، ممن أهلكهم الله بذنوبهم، وقوله: " فذاقوا وبال أمرهم " إشارة إلى ما نزل عليهم من عذاب الاستئصال وقوله:
" ولهم عذاب أليم " إشارة إلى عذابهم الأخروي.
قوله تعالى: " ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا " الخ، بيان لسبب ما ذكر من تعذيبهم بعذاب الاستئصال وعذاب الآخرة، ولذلك جيئ بالفصل دون العطف كأنه جواب لسؤال مقدر كأن سائلا يسأل فيقول: لم أصابهم ما أصابهم من العذاب؟ فقيل: " ذلك بأنه كانت " الخ، والإشارة بذلك إلى ما ذكر من العذاب.
وفي التعبير عن إتيان الرسل ودعوتهم بقوله: " كانت تأتيهم " الدال على الاستمرار، وعن كفرهم وقولهم بقوله: " فقالوا وكفروا وتولوا " الدال بالمقابلة على المرة دلالة على أنهم قالوا ما قالوا كلمة واحدة قاطعة لا معدل عنها وثبتوا عليها وهو العناد واللجاج فتكون الآية في معنى قوله تعالى: " تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين " الأعراف: 101، وقوله: " ثم بعثنا من بعده " أي بعد نوح " رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين " يونس: 74.
وقوله: " فقالوا أبشر يهدوننا " يطلق البشر على الواحد والجمع والمراد به الثاني بدليل قوله: " يهدوننا " والتنكير للتحقير، والاستفهام للانكار أي قالوا على سبيل الانكار:
أآحاد من البشر لافضل لهم علينا يهدوننا؟
وهذا القول منهم مبني على الاستكبار، على أن أكثر هؤلاء الأمم الهالكة كانوا وثنيين وهم منكرون للنبوة وهو أساس تكذيبهم لدعوة الأنبياء، ولذلك فرع تعالى على قولهم:
" أبشر يهدوننا " قوله: " فكفروا وتولوا " أي بنوا عليه كفرهم وإعراضهم.
وقوله: " واستغنى الله " الاستغناء طلب الغنى وهو من الله سبحانه - وهو غني بالذات - إظهار الغنى وذلك أنهم كانوا يرون أن لهم من العلم والقوة والاستطاعة ما يدفع عن جمعهم