قوله تعالى: " استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون " الاستحواذ الاستيلاء والغلبة، والباقي ظاهر.
قوله تعالى: " إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين " تعليل لكونهم هم الخاسرين أي إنما كانوا خاسرين لأنهم يحادون الله ورسوله بالمخالفة والمعاندة والمحادون لله ورسوله في جملة الأذلين من خلق الله تعالى.
قيل: إنما كانوا في الأذلين لان ذلة أحد المتخاصمين على مقدار عزة الآخر وإذ كانت العزة لله جميعا فلا يبقى لمن حاده إلا الذلة محضا.
قوله تعالى: " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز " الكتابة هي القضاء منه تعالى.
وظاهر إطلاق الغلبة شمولها للغلبة من حيث الحجة ومن حيث التأييد الغيبي ومن حيث طبيعة الايمان بالله ورسوله:
أما من حيث الحجة فإن الانسان مفطور على صلاحية إدراك الحق والخضوع له فلو بين له الحق من السبيل التي يألفها لم يلبث دون أن يعقله وإذا عقله اعترفت له فطرته وخضعت له طويته وإن لم يخضع له عملا اتباعا لهوى أو أي مانع يمنعه عن ذلك.
وأما الغلبة من حيث التأييد الغيبي والقضاء للحق على الباطل فيكفي فيها أنواع العذاب التي أنزلها الله تعالى على مكذبي الأمم الماضين كقوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وعلى آل فرعون وغيرهم ممن يشير تعالى إليهم بقوله: " ثم أرسلنا رسلنا تترى كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون " المؤمنون: 44، وعلى ذلك جرت السنة الإلهية وقد أجمل ذكرها في قوله: " ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون " يونس: 47.
وأما الغلبة من حيث طبيعة الايمان بالله ورسوله فإن إيمان المؤمن يدعوه إلى الدفاع والذب عن الحق والمقاومة تجاه الباطل مطلقا وهو يرى أنه إن قتل فاز وإن قتل فاز فثباته على الدفاع غير مقيد بقيد ولا محدود بحد وهذا بخلاف من يدافع لا عن الحق بما هو حق بل عن شئ من المقاصد الدنيوية فإنه إنما يدافع لأجل نفسه فلو شاهد نفسه مشرفة على هلكة أو راكبة مخاطرة تولى منهزما فهو إنما يدافع على شرط وإلى حد وهو سلامة النفس وعدم الاشراف على الهلكة ومن الضروري أن العزيمة المطلقة تغلب العزيمة المقيدة