وقد قوبل إضلال الأعمال في الآية السابقة بتكفير السيئات وإصلاح البال في هذه الآية فمعنى ذلك هداية إيمانهم وعملهم الصالح إلى غاية السعادة، وإنما يتم ذلك بتكفير السيئات المانعة من الوصول إلى السعادة، ولذلك ضم تكفير السيئات إلى إصلاح البال.
والمعنى: ضرب الله الستر على سيئاتهم بالعفو و المغفرة، وأصلح حالهم في الدنيا والآخرة أما الدنيا فلان الدين الحق هو الدين الذي يوافق ما تقتضيه الفطرة الانسانية التي فطر الله الناس عليها، والفطرة لا تقتضي إلا ما فيه سعادتها وكمالها ففي الايمان بما أنزل الله من دين الفطرة و العمل به صلاح حال المؤمنين في مجتمعهم الدنيوي، وأما في الآخرة فلأنها عاقبة الحياة الدنيا وإذ كانت فاتحتها سعيدة كانت خاتمتها كذلك قال تعالى: (و العاقبة للتقوى) طه: 132.
قوله تعالى: (ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم) الخ، تعليل لما في الآيتين السابقتين من إضلال أعمال الكفار وإصلاح حال المؤمنين مع تكفير سيئاتهم.
وفي تقييد الحق بقوله: (من ربهم) إشارة إلى أن المنتسب إليه تعالى هو الحق ولا نسبة للباطل إليه ولذلك تولى سبحانه إصلاح بال المؤمنين لما ينتسب إليه طريق الحق الذي اتبعوه، وأما الكفار بأعمالهم فلا شأن له تعالى فيهم وأما انتساب ضلالهم إليه في قوله: (أضل أعمالهم) فمعنى إضلال أعمالهم عدم هدايته لها إلى غايات صالحة سعيدة.
وفي الآية إشارة إلى أن الملاك كل الملاك في سعادة الانسان وشقائه اتباع الحق واتباع الباطل والسبب في ذلك انتساب الحق إليه تعالى دون الباطل.
وقوله: (كذلك يضرب الله للناس أمثالهم) أي يبين لهم أوصافهم على ما هي عليه، وفي الاتيان باسم الإشارة الموضوعة للبعيد تفخيم لأمر ما ضربه من المثل.
قوله تعالى: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) إلى آخر الآية، تفريع على ما تقدم في الآيات الثلاث من وصف الفريقين كأنه قيل: إذا كان المؤمنون أهل الحق والله ينعم عليهم بما ينعم والكفار أهل الباطل والله يضل أعمالهم فعلى المؤمنين إذا لقوا