السماوات والأرض أنزلها بصائر يتبصر بها لتمييز الحق من الباطل وإني لا ظنك يا فرعون هالكا بالآخرة لعنادك وجحودك.
وإنما أخذ الظن دون اليقين لان الحكم لله وليوافق ما في كلام فرعون: " وإني لأظنك يا موسى " الخ ومن الظن ما يستعمل في مورد اليقين.
قوله تعالى: " فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا " الاستفزاز الازعاج والاخراج بعنف، ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا " المراد بالأرض التي أمروا أن يسكنوها هي الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم بشهادة قوله: ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم " المائدة: 21، وغير ذلك كما أن المراد بالأرض في الآية السابقة مطلق الأرض أو أرض مصر بشهادة السياق.
وقوله: " فإذا جاء وعد الآخرة أي وعد الكرة الآخرة أو الحياة الآخرة والمراد به على ما ذكره المفسرون يوم القيامة، وقوله: " جئنا بكم لفيفا " أي مجموعا ملفوفا بعضكم ببعض.
والمعنى: وقلنا من بعد غرق فرعون لبني إسرائيل اسكنوا الأرض المقدسة - وكان فرعون يريد أن يستفزهم من الأرض - فإذا كان يوم القيامة جئنا بكم ملتفين مجتمعين للحساب وفصل القضاء.
وليس ببعيد أن يكون المراد بوعد الآخرة ما ذكره الله سبحانه في أول السورة فيما قضى إلى بني إسرائيل بقوله: فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا " وإن لم يذكره جمهور المفسرين فينعطف بذلك ذيل الكلام في السورة إلى صدره، ويكون المراد أنا أمرناهم بعد غرق فرعون ان اسكنوا الأرض المقدسة التي كان يمنعكم منها فرعون والبثوا فيها حتى إذا جاء وعد الآخرة التي يلتف بكم فيها البلاء بالقتل والأسر والجلاء جمعناكم منها وجئنا بكم لفيفا، وذلك أسارتهم وإجلاؤهم إلى بابل.