تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٣٥٩
- أو بعدك - وكرهوا ان يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.
وقوله تعالى: (وقالوا لا تنفروا في الحر) خاطبوا بذلك غيرهم ليخذلوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويبطلوا مسعاه في تنفير الناس إلى الغزوة، ولذلك أمره الله تعالى ان يجيب عن قولهم ذلك بقوله: (قل نار جهنم أشد حرا) أي ان الفرار عن الحر بالقعود ان أنجاكم منه لم ينجكم مما هو أشد منه وهو نار جهنم التي هي أشد حرا فان الفرار عن هذا الهين يوقعكم في ذاك الشديد. ثم أفاد بقوله: (لو كانوا يفقهون) المصدر بلو التمني اليأس من فقههم وفهمهم.
قوله تعالى: (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون) تفريع على تخلفهم عن الجهاد بالأموال والأنفس وفرحهم با لقعود عن هذه الفريضة الإلهية الفطرية التي لا سعادة للانسان في حياته دونها.
وقوله: (جزاء بما كانوا يكسبون) والباء للمقابلة أو السببية دليل على أن المراد بالضحك القليل هو الذي في الدنيا فرحا بالتخلف والقعود ونحو ذلك، وبالبكاء الكثير ما كان في الآخرة في نار جهنم التي هي أشد حرا فان الذي فرع عليه الضحك والبكاء هو ما في الآية السابقة، وهو فرحهم بالتخلف وخروجهم من حر الهواء إلى حر نار جهنم.
فالمعنى: فمن الواجب بالنظر إلى ما عملوه واكتسبوه ان يضحكوا ويفرحوا قليلا في الدنيا وان يبكوا ويحزنوا كثيرا في الآخرة فالامر بالضحك والبكاء للدلالة على ايجاب السبب وهو ما كسبوه من الأعمال لذلك.
واما حمل الامر في قوله: (فليضحكوا) وقوله: (وليبكوا) على الامر المولوي لينتج تكليفا من التكاليف الشرعية فلا يناسبه قوله: (جزاء بما كانوا يكسبون).
ويمكن ان يكون المراد الامر بالضحك القليل والبكاء الكثير معا ما هو في الدنيا جزاء لسابق أعمالهم فإنها هدتهم إلى راحة وهمية في أيام قلائل وهى أيام قعودهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم إلى هوان وذلة عند الله ورسوله والمؤمنين ما داموا احياء في الدنيا ثم إلى شديد حر النار في الآخرة بعد موتهم.
قوله تعالى: (فان رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج) إلى آخر
(٣٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»
الفهرست