تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ١٢٤
الجنة والنار أمرا عاما موجودا عند الجميع فإن الله يقول حكاية عن قول أهل النار:
" ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار " ص: 62، وقولهم: " ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين " حم السجدة: 29، وقال: " لكل امرء منهم يومئذ شأن يغنيه " عبس: 37.
وليس معنى السيماء أن يعلم المؤمنون والكفار بعلامة عامة يعرف صنفهم بها كل من شاهدهم كبياض الوجه وسواده مثلا فإن قوله تعالى في الآية التالية: " ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أ هؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة " يفيد أنهم ميزوا خصوصيات من أحوالهم وأعمالهم من سيماهم ككونهم مستكبرين أولي جمع وقد أقسموا كذا وكذا، وهذه أمور وراء الكفر والايمان في الجملة.
وثانيا: إنهم يحاورون الفريقين فيكلمون أصحاب الجنة ويحيونهم بتحية الجنة، ويكلمون أئمة الكفر والضلال والطغاة من أهل النار فيقرعون عليهم بأحوالهم وأقوالهم مسترسلين في ذلك من غير أن يحجزهم حاجز، وليس التكلم بمجاز يومئذ إلا للأوحدي من عباد الله الذين لا ينطقون إلا بحق قال تعالى: " لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان وقال صوابا " النبأ: 38، وهذا وراء ما يناله المستضعفون.
وثالثا: إنهم يؤمنون أهل الجنة بالتسليم عليهم ثم يأمرونهم بدخول الجنة في أمر مطلق على ما هو ظاهر السياق في الآيات التالية.
ورابعا: أنه لا يشاهد فيما يذكره الله من مكانتهم وما يحاورون به أصحاب الجنة والجبابرة المستكبرين من أصحاب النار شئ من آثار الفزع والقلق عليهم ولا اضطراب في أقوالهم، ولم يذكر أنهم محضرون فيه مختلطون بالجماعة داخلون فيما دخلوا فيه من الأهوال التي تجعل الأفئدة هواء والجبال سرابا، وقد قال تعالى: " فإنهم لمحضرون إلا عباد الله المخلصين " الصافات: 128، فجعل ذلك من خاصة مخلصي عباده، ثم استثناهم من كل هول أعد ليوم القيامة.
ثم إنه تعالى ذكر دعاءهم في قوله: " وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين " ولم يعقبه بالرد فدل ذلك على أنهم مجازون فيما
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»
الفهرست